كتاب " الحيرة والأحلام " ، تأليف د. عبد الحسن حسن خلف ، والذي صدر عن دا
أنت هنا
قراءة كتاب الحيرة والأحلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ـ تخرج من البيت عند الصباح، ولا تعود إلا عند المغرب، أين تذهب؟
ـ أجلس في الديوان.
ـ لا تكذب، الرجال يجلسون في الديوان في الصباح، ويعودون إلى بيوتهم ظهراً قضيت الوقت كله مع عشيقتك «ابهية».
ـ كيف عرفت؟
ـ الرجال في القرية والنساء يعرفون جيداً، ينقلون لي أخباراً عنك كل يوم.
ـ اذهبي معي إلى الديوان واسألي الرجال.
ـ أنا امرأة لا أستطيع مواجهة الرجال وإقامة الشهود عليك، تريد أن تتآمر عليَّ مع أصدقائك في الديوان، هجرتني منذ سنة، تقضي النهار مع عشيقتك وتأتي في الليل تدعي أنك جالس في الديوان، أتعبتني حرقت أعصابي، لأني ابنة عمك ليس لي أخ، مات أبي وأمي، لم يبق لي إلا أخت في بغداد.
ـ الناس يكذبون عليك، يريدون أن يخلقوا مشاكل بيننا.
ـ أنت كذاب، الناس لا يكذبون، وصلت إليّ أخبار ممن أثق بهم أنك تريد الزواج منها وتتهيأ لخطبتها.
ـ الرجال يتزوجون اثنتين و ثلاثاً وأربع، ماذا يضرك إذا تزوجت، وهو في كل الأحوال كلام كاذب غير صحيح.
ـ أمسك عباءته ثم نهض، رفعها على كتفيه وهمَّ بالخروج.
اعترضته وصاحت به:
ـ أين ذاهب، لا تخرج، انهارت أعصابي، أمسكته من صدره وكأنها تتعلق به.
صفعها على خدها صفعة قوية، وخرج لا يكترث بها.
ألقت بنفسها على الأرض شهقت عدة مرات، أخذت تئن حتى ضجر الأنين، تذكرت كلام أمي: للرجال سطوة على النساء كسطوة السلطان على الناس.
رأيتها في الضحى تخرج من بيتها، تحمل بيدها حزمة من حطب وزنادًا، وفي جيدها إبريق، سلكت طريقاً محاذياً لجدول صغير، حسبتها ذاهبة لقضاء حاجتها، أسرعت في المسير، خفت أن يبعد بها الطريق، وأوجست منها خيفة، ركضت وراءها وأنا أصيح:
ـ يا أبناء القرية، أيها الرجال والنساء أدركوا خالتي ذهبت في أمر مريب، لهثت من الركض، بحُ صوتي من الصياح دون مجيب، حاولت اللحاق بها ولكن، فاتني القطار.
مضت عشر ليال على اتصال عاجل، رجعت إلى البيت ظهراً من الجامعة متعباً أتعثر بالكلمات والصور. بقيت خطوتان حتى أفتح الباب، سمعت خلفي صوتاً خافتاً يناديني عن قرب:
ـ ياسين، ياسين.
التفت، وجدت ابن عم لأمي قادماً من ميسان، صافحته بتلهف، هممت أن أفتح الباب، قلت له:
ـ تفضل، تفضل، سحبني إلى الوراء، زاغت عيناه نحو الشارع والباب، اقترب مني، وهمس في أذني دون أن يلامسها: «ماتت زهرة». بهت و شعرت بصدمة، حملقت بعينيّ إلى السماء وقلت له:
ـ سمعت قبل عشر ليال صوتاً يهمس إليّ بهذا الخبر، حسبته أختي، هز رأسه وهو يتحسر قائلاً:
ـ تشابهت الأسماء والموت واحد، اقترب مني ثانية، همس في أذني وهو يشير بسبابته، نحو الباب:
ـ لا تتكلم للحيطان آذان.