كتاب " الحيرة والأحلام " ، تأليف د. عبد الحسن حسن خلف ، والذي صدر عن دا
أنت هنا
قراءة كتاب الحيرة والأحلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دفتر ذكريات
مشيت نحوها خطوات، رأيتها جالسة على قارعة الطريق، أتذكر أن البياض في إحدى عينيها يغلب على سوادها، وكأنه يأكل من حدقتها، نفسي تعرفها، وتطمئن إليها، لكن عيني لا تتذكر صورتها، متى فارقتها؟ وفي أي وقت عشت معها أو التقيتُ بها؟ الوقت يضايقني، لم يسمح لي بمراجعة دفتر ذكرياتي في غرفة مظلمة، والكهرباء مقطوعة.
سألتني:
ـ أتعرف «صويحب» وأخوته؟
ـ نعم تزوجت أخته «صينية» قبل الأزمة.
ـ هم يشتغلون الآن في شركة، سمعت عنهم أنهم سجلوا إسمك معهم.
ـ في أي مكان يشتغلون؟
ـ في هذه المنطقة، التفتت وأشارت بيدها إلى بيوت وراء ظهرها، وواصلت كلامها: للشركة فروع كثيرة عليك أن ترجع خطوات وتنظر لتذهب إلى عملك.
رجعت بخطوات بطئية متعثرة، راجعت نفسي:
كيف أستطيع العمل معهم وهم عصبة أبناء عشيرة قوية وأهل ثروة، أمضوا حياتهم منذ نعومة أظفارهم في البيع والشراء، حتى تمرسوا فيه، وعرفوا أسراره، وألفوا تقلباته وخبروا أساليب التملص منه والدهاء والتحايل والغدر والسطو والصولة، ليس في قلوبهم مكان للصديق، ولا في نفوسهم مشاعر رأفة بالضعيف، لا يخافون من حرام ولا يقيمون وزناً للحلال، ميزانهم الربح والخسارة، حكومتهم العشيرة وقانونهم السلاح وعدوهم الذي يأخذ حقه منهم هو القوي، وغنيمتهم التي يأخذون حقه منه هو الضعيف. عشت معهم وعاملتهم ومرت بي تجربة معهم، ولا تزال في نفسي حسرة منهم، كيف أستطيع الخلاص منهم، كلما ابتعدت شعرت أنني في مأمن منهم، أدخلوني في ورطة جديدة معهم.
وقفت حافلة صغيره إلى جانبي، وانفتح بابها، صعدت وكأني على موعد معها، وجدت فيها ما يقارب عشرة رجال، بعضهم بهيئة «أفندي» وآخر ملثم، والكثيرون يعتمرون عقالاً وكوفية، التفت السائق نحوي ينظر إليّ بعينين خضراوين، رأسه كبير محلوق نمرة صفر، رحب الجميع بي منذ فتحت الباب كأنني أخوهم وأحب الناس إليهم، فارقوني منذ سنوات، بادورني بتحية تثلج القلب:
ـ «أهلاً وسهلاً حمودي» هلا وكل الهلا، إستريح، استريح، أجلسوني وسطهم:
ـ «الله بالخير، شلونك زين»((6)).
ـ الحمد لله.