أنت هنا

قراءة كتاب الربيع العُماني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الربيع العُماني

الربيع العُماني

كتاب " الربيع العُماني " تأليف سعيد سلطان الهاشمي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

من بعد التعارف اجتماعياً، صار المعتصمون يتعارفون وطنياً، أي من خلال التكاشف عن عمق إحساسهم المشترك بضرورة أن تسود المواطنة المتساوية بين الجميع في الوطن. بذلك عدّوا المواطنة المتساوية بمثابة عقد اجتماعي يساوي الأرضية التي تترتب عليها منظومة الحقوق والواجبات ضمن الإطار الوطني. لوحظ مراراً في الحوارات أنه خلاف المعلن من القول: إن جميع المواطنين أمام القانون سواء، أن الواقع لا يشهد بذلك، فهناك وضوحاً قلة هي ليست مع السواد الأعظم من المواطنين بسواء، بل أن لها امتيازات خاصة بها دون سائر أهل الوطن. لأجل ذلك، كأمر أساس، نودي في الخطابات بوجوب إرساء المواطنة المتساوية إرساء مبدئياً: مؤصلاً دستورياً، ومطبقاً قانونياً، ونابذاً كل أشكال التمييز بين المواطنين، أسياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية تقليدية.

حب الوطن، والاقتناع المشترك بضرورة تطوير منهجية اتخاذ القرار الوطني إلى ما هو أوفى وأمثل، ترادفا في الحوار. إلى ذلك، جاء التأكيد على مكافحة استغلال الموقع الوظيفي في الدولة للاستئثار الشخصي، وعلى تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين ذوي الدخول المتدنية، وعلى تدريب الشباب وتوفير فرص العمل لهم على نحو دائم، وعلى ترشيد الاقتصاد كأهم آليات تحقيق عدالة توزع الأرزاق بين الناس، وعلى إصلاح مناهج التعليم، على زيادة فرص التعليم العالي، وعلى تيسير إنجاز معاملات المواطنين لدى الدوائر الرسمية دونما محاباة، وعلى ضبط قنوات الإسراف والتبذير من المال العام في أوجه زخرفية ... هذه كلها ظلت تباعاً الموضوعات المتصدرة في حوارات المعتصمين.

وسط ذلك، تردد مطلب جذري: تعديل البنية الدستورية للدولة كمدخل شامل لتفعيل التوجه الإصلاحي، ومن ثم تمكين الدولة من ممارسة اجتهاد وطني مؤسسي راجح ومتكامل. تحديداً، ثمة خمسة مطالب دستورية عرضت في الخطابات منذ بداية الاعتصام: أولاً: أن توضع للدولة أرضية دستورية جديدة، بل أن يكتب دستور جديد. ثانياً: أن يصحح وضع مجلس الشورى في اتجاه تطويره إلى سلطة تشريعية حقيقية، وإلى ذلك، كخطوة أولى، رفع الوصاية عنه لرئيس معين، كأمر لا يليق. ثالثاً: أن تكون للدولة حكومة قائمة بذاتها كسلطة تنفيذية، تعمل بمسؤولية تضامنية، وقابلة لسحب الثقة منها إن هي أساءت أو قصرت في الأداء. رابعاً: أن تكون للدولة سلطة قضائية، بمعنى قضاء مستقل، أعلاه محكمة دستورية لا تعلوها سلطة أي شخص أو هيئة. خامساً: أن يكون سلطان البلاد حكماً يحتكم إليه عند الاقتضاء.

انتظام وانضباط وربط بين الحقوق والواجبات

طوال فترة انعقاده، ظل الاعتصام في ساحة الشعب منظماً ومنضبطاً بامتياز. كان الحرص على سلامة المشهد وسلميته، وتنسيق كل ما يتعلق به من أمور إجرائية، دقيقاً وصميماً في جميع الأوقات. مع تكرار حضوري في ساحته، أقله لساعتين كل مرة، لم أشهد يوماً حدثاً مخلاً بالنظام، أو خصاماً معكراً للوئام. على العكس، في عمق المشهد كنت أشعر بتعزز الثقة المتبادلة بين المتحاورين، وبتنامي الاطمئنان بينهم إلى التكاشف حول الشأن الوطني ولزومياته الإصلاحية. وإذ تكررت مشاركاتي، مراراً كمستمع، وأحياناً كمتحدث، صرت ألمس تعمق الوعي لدى المعتصمين حول الترابط العضوي بين ما لهم من حقوق المواطنة وما عليهم من واجباتها: وعي طالما أشير إليه في أدبيات علم السياسة، أنه الظاهرة التي إذا سادت أيما مجتمع وطني، مكنته من إنجاز تقدم حضاري جامع جدير.

إجمالاً، في عموم أطروحاته، ارتكز حوار المعتصمين في ساحة الشعب على مبدأين صنوين: أولهما: تثمين ما تحقق من معطىً تنموي مشهود في وطننا حتى اليوم، وثانيهما: انطلاقاً من هذا الذي تحقق، الدفع نحو ما نطمح إلى تحقيقه استطراداً لهذا العهد. ذلك كله أيضاً وفق ضابطين صنوين، أولهما: بقاء منهاجنا في العمل الوطني قائماً أبداً على التحاور والتعاون وصولاً إلى توافق وطني؛ وثانيهما: بقاء جميع مساعينا الإصلاحية موصولة أبداً بصميم الحرص على الحفاظ على الأمن والاستقرار وسلامة المنجزات الوطنية، مع دوام حرص مماثل على توطيد الوئام الاجتماعي في رحاب المواطنة المتساوية بين الجميع. نعم، في سياق الحوار، من حين إلى آخر، كان يسمع كلام غير دقيق، حاد النبرة، خشن العبارة، انفعالي الأسلوب. لكنه كان يُعبّر بغير كثير اكتراث من غالبية الحضور. عكس ذلك كان يتم عندما تقدم عروض موضوعية بأسلوب رصين. عندها كنت ألاحظ ليس حسن الإصغاء والاستيعاب فحسب، بل أيضاً الرغبة في مزيد من الاستنارة حول ما كان يطرح من خلال حوار تفاعلي ناشط وغزير.

الصفحات