كتاب " الربيع العُماني " تأليف سعيد سلطان الهاشمي ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب الربيع العُماني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تطور في الحوار الوطني وتطور في الخطاب الرسمي
لقد حدث تباعاً جراء الاعتصامات، ومن أثر ما دار في منتداها من حوارات صميمة كاشفة، تطور هام على صعيدين خلال العام المنصرم (2011): تطور في مضامين الحوار الوطني، وتطور في مضامين الخطاب الرسمي المصاحب والمتناسق مع التطلعات المعبر عنها في الحوار الوطني.
بالنتيجة، اتسع حوارنا الوطني مدى، على ما ألمس، وتبلور نوعاً، واتضح معنىً عما كان عليه قبل الاعتصامات. مثلاً: في حواراتنا اليوم، أكانت جانبية خاصة أم عامة علنية، من جل ما أستمع أستخلص أنه ما عاد يعنينا زخرف المظهر، بقدر ما يعنينا ضمان سلامة الجوهر. ما عادت تعنينا عبارات التفخيم والتبجيل لمواقع السلطة، بقدر ما يعنينا ضمان الكفاءة والأمانة في أداء تلك المواقع. لم تعد تعنينا العناوين الدعائية المرسومة بالخط العريض، بقدر ما تعنينا المتون الموضوعية المكتوبة بالحرف الصغير. وما عدنا نرضى بالمحاباة والمحسوبية، بل صرنا نؤكد ونلح على تساوي الجميع أمام القانون. مبادئ وقيم، أكثر من عادات وتقاليد، تحدونا اليوم على مسار استكمال معالم الدولة العصرية التي تعهد ريادة تحقيقها سلطان البلاد، تحقيقاً حداثياً وحضارياً معاً في ترادف .
على صعيد الخطاب الرسمي، قراءة متمعنة في كلمة سلطان البلاد أمام الدورة الخامسة لمجلس عُمان، تبدي تناسقاً في المفاهيم وتماثلاً في وجهة التطور. هنا أيضاً نقرأ رؤية رائدة، مترابطة منطقياً، ومتماسكة في عناصرها النهضوية... رؤية جامعة ترسم توجهاً واضحاً نحو استكمال عناصر الدولة العصرية. الدولة العصرية هي غير الدولة المعاصرة التي تعيش في العصر حداثياً لكنها لا تُعنى كثيراً باستحقاقاته الحضارية. خلاف ذلك، تسعى الدولة العصرية في دأب إلى تحقيق ذاتها وتعزيز مكانتها بين الدول، وفق أرقى استحقاقات العصر الحداثية والحضارية معاً. على رأس تلك الاستحقاقات، تُعنى الدولة العصرية بحكومة رشيدة، باقتصاد منتج ومنصف، وبتنمية إنسانية مستدامة، بتنام معرفي مطرد، وباحترام حقوق الإنسان، ودوماً بالتثبت في مكارم الأخلاق.
لفظ «الاستكمال» الذي نعت به سلطاننا مسعانا الوطني لبناء الدولة العصرية دقيق في دلالته، لأن مسار التقدم الحداثي مفتوح المدى، ولأن أفق الارتقاء الحضاري لا يحده سقف. المسار الحداثي هو ذلك الذي نواكب عبره العالم عمرانياً، ونجاريه اقتناءً واستخداماً لعموم مبتكرات العصر من منتجات تكنولوجية ونظم إدارية ووسائل تيسيرية تلبي عملياً الحاجات الحياتية. أما المسار الحضاري فهو ذلك الذي نستكمل عبره استحقاقات المواطنة المتساوية القائمة على التكافؤ في الحقوق والتناسب في الاستحقاقات والواجبات، في ظل حكومة ديموقراطية مؤسسية رشيدة، متسقة مع ما استقر عليه الاجتهاد الإنساني العالمي المستنير.