أنت هنا

قراءة كتاب العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد

العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد

كتاب " العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

نحن، إذن، بإزاء احتفاء رشدي واضح وخاص لا يضاهى لدى القدماء والوسطويين بـِكتاب السماء والعالم. ولعل مما يزيد هذا الاحتفاء رونقاً وأهمية، كما ألمعنا إلى ذلك فيما تقدم، أن القسط الأوفر من شروح أبي الوليد على كتاب السماء لا تزال توشح قائمة المحفوظات العربية إلى اليوم.

والعجب أن هذا الاحتفاء الرشدي بهذا الكتاب سوف يقابل بغير قليل من الإهمال من قبل أهل التحقيق والنشر من المعاصرين، فباستثناء التلخيص الذي حظي، من لدن المرحوم «جمال الدين العلوي»، بجليل العناية والتقدير، نشراً وتحقيقاً ونقلاً من الحرف العبري إلى الحرف العربي، كما ألمعنا إلى ذلك فيما تقدم، لم يجد ما تبقى من الشرح العناية ذاتها، اللهم إلا إذا استحضرنا العمل المشترك الموعود به، وغير المنجز حتى الآن، من قبل الأستاذين المرحوم «جمال الدين العلوي» و«غرهارد اندرس»، وذلك بسبب وفاة الأستاذ «جمال الدين العلوي»، كما يصرح بذلك الأستاذ «اندرس»(71) الذي يبدو أنه كان يشتغل على ذلك بمفرده في بداية الأمر بحسب شهادة الأستاذ «جمال الدين العلوي»(72). ومهما يكن من أمر هذا الاشتغال فالظاهر أن الباحث «اندرس» إنما عمل على تعويض ذلك، ولو بصورة مؤقتة، بالإشراف على التقديم للنسخة المصورة لـِكتاب شرح السماء والعالم عن المخطوط الوحيد الذي يضم ما تبقى من هذا الشرح والموجود بالمكتبة الوطنية بتونس، وهي النسخة التي أقدم على نشرها معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بألمانيا الاتحادية(73)، وقد أقدم أحد المهتمين العرب أخيراً على نشر ما تبقى من هذا الشرح(74).

لا يختلف مصير مختصر السماء والعالم كثيراً عن حال الشرح الكبير للكتاب نفسه، إذ لم ينشر هذا المختصر، بحسب ما انتهى إليه علمنا في الموضوع، سوى نشرتين: أولاهما هي نشرة حيدر آباد الدكن، وذلك ضمن مجموعة رسائل ابن رشد، سنة 1947م، والثانية تلك التي أقدم على إنجازها كل من «رفيق العجم» و«جيرار جهامي» اللذين يصرحان بأنهما إنما اعتمدا نسخة مصورة عن نشرة حيدر آباد لهذه الرسائل(75). والحق إن الحال التي توجد عليها هذه النشرة أفضل من تلك التي جاءت عليها نشرة الرجلين المذكورين بالرغم من الزعم الذي يصرحان، بمقتضاه، بأنهما إنما يتحريان في نشرتهما نشرة حيدر آباد، مع التأكيد على أنهما قد استدركا جزءًا من الأخطاء الواردة في نشرة حيدر آباد(76).

ومهما يكن من أمر، بهذا الصدد، فإن مختصر السماء والعالم أقل حظاً، من هذه الجهة، من مختصرات ابن رشد الطبيعية الأخرى التي كانت موضع نشرتين أو أكثر مع بعض العناية بأمور النشر والتحقيقوالتقويم بمراعاة ما بين مختلف تلك النشرات من تجويد أو قصور وهفوات، مثلما هو الشأن بالنسبة لكل من مختصر السماع الطبيعي(77)، ومختصر الكون والفساد(78)، ومختصر الآثار العلوية(79)، ومختصر النفس(80)، ومختصر الحس والمحسوس(81).

كم هو بعيد جداً، إذن، تعامل الرشديين(82) المعاصرين، وغيرهم ممن لامسوا جانبا من جوانب الرشدية، لهذا السبب أو ذاك، مع تواليف ابن رشد في السماء والعالم وما تحبل به من قضايا وإشكالات، عن الاحتفاء الرشدي بذلك كله، إلى حدود أنه يمكن اعتبار ابن رشد من المفكرين الذين جعلوا العالم في صلب، أو في مركز، تفكيرهم، الأمر الذي يقتضي ضرورة العناية به بما يستحق من دقة وبعد نظر، كما رام ذلك بعض النظار المعاصرين من الغربيين في تعاملهم مع أئمة النظر الكوسمولوجي في تارخ العلم والفلسفة الغربيين(83).

نعم، لقد اهتم فريق من الباحثين بشيء من ذلك في بعض قراءاتهم لفكر ابن رشد، لكن لا في صيغته الشمولية والفلسفية وإنما، أساساً، في مواضع بعينها قد تقف عند شروح دون غيرها، أو قد تبقى في حدود الشروح دون التواليف الموضوعة، وفي قضايا محددة غالباً ما لا تتجاوز طبيعة النظام الفلكي الرشدي ومواقف أبي الوليد من فلك بطليميوس وموقع آرائه الفلكية، ومن ثم الكوسمولوجية، بين الفيزياء والرياضيات، من منطلق أن ذلك من بين أهم الإشكالات التي تستأثر باهتمام الدارسين المعاصرين لتاريخ العلم، عموماً، ولتاريخ العلم العربي الإسلامي على وجه الخصوص، ولقضايا السماء والعالم وما يرتبط بها من مسائل ذات صلة بعلم الهيئة بوجه أخص، ظناً منهم أن ذلك، أيضاً، ما كان يستأثر بعناية أبي الوليد ويلفت انتباهه دون سواه من المعضلات والقضايا المرتبطة بالنظر في العالم، أو اعتقاداً منهم بأن ذلك، وإن لم يكن من أوجب ما استرعى نظر فيلسوف الأندلس والمغرب، إلا أنه مما قد يشكل أهم ما يمكن تحيين القول فيه، اليوم، من الرشدية في تاريخ العلم، مع ما في ذلك نفسه من قصور نظر لا يليق الجنوح إلى اعتناقه لمكان مجانبته الصواب في انتصاره لأرسطو على بطليميوس، أو في مراوحته وانتقاله من هذا إلى ذاك سواء بحكم ما عرفته آراؤه من تطور عبر مراحل حياته الفكرية المختلفة(84)، أو سواء بحكم علاقة تصوره الكوسمولوجي لنظام العالم بطبيعة البيئة الفكرية السائدة في زمانه ومكانه(85).

بما أن الأمر، لدى رواد الثقافة الغربية المعاصرة، على خلاف ذلك تماماً، إذ إن الدراسات في تارخ العلم والفلسفة الغربيين، بل وفي تاريخ الأفكار الغربي ككل، امتدت، فضلاً عن كل العلماء والفلاسفة الذين لهم قول حول العالم، إلى كل مناحي القول في العالم، سواء في أبعادها الفلسفية أو العلمية، الفينومنولوجية منها، والانتروبولوجية(86)، والوجودية(87) والكوسمولوجية، والفيزيائية، والرياضية(88)، بل والميتافيزيقية التيولوجية(89)، بما أن الأمر كذلك فإن من غير اللائق أن لا يمتد النظر، بهذا الصدد ومن الآن فصاعداً، إلى التصورات العربية الإسلامية ومنها، بحسب ما يستاثر باهتمامنا في هذا العمل، التصور الرشدي.

الصفحات