كتاب " العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد
ونحن، وإن لم نكن نجد هذه الترجمة اليوم ضمن نفائس الخزانة العربية، إلا أننا نعتقد أنها كانت بين يدي ابن رشد، بل لعلها كانت المرجع الذي تعرف أبو الوليد، من خلاله، إلى آراء الإسكندر في السماء، وفي شروحه على كتاب السماء لأرسطو بوجه خاص، كما سنؤكد على ذلك في حينه. على أننا نشير، في هذا المقام، إلى أن ابن رشد كان يملك، فعلاً، نسخة من شرح ثامسطيوس لكتاب السماء، إذ إنه لا يكتفي بالإحالة عليه مباشرة في تلخيص السماء والعالم، بخصوص إشكال وجود أو عدم وجود الموضوع للجرم السماوي(48)، بل إنه، فيما يبدو، ينقل عن هذا الشرح نصاً ويعمد إلى تلخيص ما نقله بالحرف في تفسير ما بعد الطبيعة بخصوص الإشكال نفسه(49). نعم، إن نقل ابن رشد، هاهنا، قد لا يكون عن شرح ثامسطيوس لكتاب السماء وإنما عن شرحه، أو تلخيصه كما يقول أبو الوليد نفسه(50)، لـِمقالة اللام من ميتافيزيقا أرسطو، لكن لمكان توافق كل من كتابي السماء والميتافيزيقا، بهذا الصدد، يمكن القول بأننا بإزاء غرض واحد. فضلاً عن أن ابن رشد يحيل، في تلخيص كتاب السماء، مباشرة على شرح ثامسطيوس لكتاب السماء، الأمر الذي يستفاد منه أنه كان بين يديه(51).
ومهما يكن من أمر فنحن بإزاء حضور باهت لـِكتاب السماء في الوسط الفلسفي والعلمي، لا الإغريقي اللاتيني فحسب وإنما، أيضاً، في الوسط العربي الإسلامي. على أننا إنما نقصد بذلك، بالقصد الأول، ما تعرضت له الشروح المذكورة، وغيرها مما لا نعرفه، لمكان عدم إشارة الفهارس القديمة إليه، من تلف وضياع يجعل من المستحيل على الدارس المعاصر أن يطلع على مختلف المواقف والاتجاهات في العالم وإشكالاته وفي شرح سماء المعلم الأول بوجه خاص.
قد ينضاف إلى ذلك، أيضاً، عدم اهتمام كثير من الشراح والفلاسفة المسلمين بالكتاب، فضلاً عن ضياع معظم ما وضعوه من تآليف وشروح على سماء المعلم الأول. ذلك أن الكندي لم يعن بهذا الكتاب شرحاً وتفسيراً وفي كليته، أو أنه، على الأصح، إنما التفت إلى شيء منه لعله، فيما نعتقد، من أهم قضاياه إثارة للفضول والعواصات، كما نرنو إلى بيان ذلك في هذا العمل، وهو مسألة النهاية أو اللانهاية في العالم وما يتصل بها من قضايا ومسائل، كما سنوضح ذلك فيما بعد، إذ يذكر ابن النديم، من كتب الكندي، كتاب الإبانة أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلانهاية، كما يذكر كتاب رسالته في أن العالم و(كل ما)(52) فيه كري الشكل، ويشير أيضاً إلى كتاب رسالته في الإبانة عن أنه ليس شيء من العناصر الأولى والجرم الأقصى غير كري، وكتاب رسالته في أن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جميع الأشكال البسيطة، وكتاب رسالته في أن طبيعة الفلك مخالفة لطبائع العناصر الأربعة وأنه طبيعة خامسة، وكتاب رسالته في العالم الأقصى، وأيضاً كتاب في امتناع الجرم الأقصى من الاستحالة، وكتاب رسالته في تناهي جرم العالم(53).
على أن من هذه الرسائل ما هو بأيدينا اليوم، كما تشهد لذلك الرسائل التي نشرها «أبو ريدة»(54) مثلاً وهي، على وجه الخصوص، رسالة في إيضاح تناهي جرم العالم(55)، ورسالة «في مائية ما لا يمكن أن يكون لانهاية له وما الذي يقال لانهاية له(56)، ورسالة في وحدانية الله وتناهي جرم العالم(57)، ورسالة في الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل(58).
إن نظرة سريعة على هذه الكتب، أو الرسائل، فضلاً عن غيرها مما لم نذكره هاهنا، دليل كاف على أن الكندي خص مشكلات السماء والعالم بغير قليل من العناية والنظر، لكنه، مع ذلك، لم يتناولها على أنها موضوع مفرد ولا على أنها كتاب واحد خاص، فأتت لديه متناثرة تفتقد إلى النسقية والشمولية اللازمة لصياغة تصور متكامل فبالأحرى أن يكون ذا ولاء للمشائية، كما عرفت في هذا المقام، بالرغم من أنه من غير الجائز إنكار إمكان النظر إلى الكندي على أنه من ممثلي المذهب الأرسطي بوجه عام(59).
إذا لم يكن الفارابي قد اهتم بـِكتاب السماء لا جملة وتفصيلاً، كما نلفي ذلك لدى ابن رشد، ولا تفصيلاً فحسب، مثلما هو الشأن لدى الكندي، إذ لم يضع شرحاً للكتاب ولا لبعض من قضاياه، بحسب ما يستفاد من اللائحة التي يوردها، مثلاً، كل من ابن النديم وبروكلمان لتواليف المعلم الثاني(60)، إذا كان هذا هكذا فلعل الأمر لدى المعلم الثاني لا يتوافق، فعلاً، مع واقع الحال في تواليف أبي نصر، وذلك بحسب ما يرد في بعض الفهارس القديمة التي تذكر أن الفارابي قد أقبل، بالفعل، على شرح كتاب السماء والعالم، وذلك ما يقره كل من القفطي وابن أبي أصيبعة(61). ومهما يكن من أمر هذا الكتاب ما دام من تواليف الفارابي المفقودة اليوم، فإن بأيدينا ما يشهد أن أبا نصر قد قرأ كتاب أرسطو في السماء، كما أنه اعتمده في كثير من المواضع أهمها الرد من خلاله على يحيى النحوي، دفاعاً عن أرسطو، في رسالة وضعها، لهذا الغرض(62)، ومن بينها أيضاً أنه يستحضره في مناسبة شرحه لصدري المقالتين الأولى والخامسة من كتاب الأصول لإقليدس(63).
بالرغم من ذلك فليس لدينا، في الوقت الراهن، ما يمكننا من تشكيل صورة واضحة عن مواقف الفارابي في السماء والعالم، ولا سيما بإزاء فقدان شرحه لكتاب السماء والعالم إذا كان فعلاً قد فعل ذلك.
أما ما كتبه ابن سينا في الموضوع فليس شرحاً وإنما هو تأليف على طريقة الشيخ الرئيس الخاصة في التعامل مع المنظومة العلمية والفلسفية الأرسطية بوجه خاص(64)، على أننا لسنا، هاهنا، في حاجة إلى إصدار أحكام بالمفاضلة بين ابن سينا وأرسطو أو غيره، من قبيل القول بأن كتاب ابن سينا «أشد ضبطاً وأحسن تنسيقاً من كتاب السماء»، وذلك لمجرد أن الشيخ الرئيس حذف مسألة من مسائل سماء أرسطو، أو لأنه تناول مسألة أخرى تناولاً عاماً، أو لأنه لم يقبل بموقف المعلم الأول في مسألة ثالثة(65). إن ما يهمنا، في هذا المقام، هو أن ابن سينا لايقدم عملاً متكاملاً في السماء والعالم، فضلاً عن أنه لم يرتبط بِـكتاب «السماء لأرسطو حتى يكون من شراحه أو مفسريه بالمعنى الحق. لا بد، مع ذلك، من الإشارة، في هذا السياق أيضاً، إلى ما وضعه ابن سينا في الأجوبة عن مسائل أبي ريحان البيروني التي يتناول فيها الشيخ الرئيس، كما يقول «عبد الرحمن بدوي»، عشرة مسائل أشكل فهمها على البيروني فتكفل بالنظر فيها، وبمحاولة حلها، الشيخ الرئيس(66).
أما ابن باجة فلعله، أيضاً، ومكانه من العناية بطبيعيات المعلم الأول مكانه، لم يترك لنا شرحاً لـِكتاب السماء، على غرار ما فعل بالنسبة لكتب السماع الطبيعي والكون والفساد والآثار العلوية والحيوان، كما تؤكد ذلك القوائم التي وضعها أصحاب الفهارس القديمة والمعاصرة لتواليف أبي بكر بن الصائغ(67)، اللهم إلا إذا استثنينا بعضاً من تعاليقه على جمل من الهيئة وصناعة النجوم التي قد تمت بصلة ما إلى كتاب السماء والعالم، ولعلها هي نفسها الأقوال التي يشير إليها ابن رشد في مختصر السماء والعالم، حيث يقول إن ابن باجة وافق ابن سينا في «بعض التعاليق المنسوبة إليه(68) ويلومه عل تلك الموافقة مع أن مكانه من العلم مكانه، بحسب عبارة ابن رشد نفسه، اللهم إلّا أن نقول، كما اقترحنا ذلك في دراسة سابقة(69)، بأن أبا الوليد إنما يشير، هاهنا، إلى تعاليق تخص كتاب السماء والعالم مما كان بيدي ابن رشد وضاع في ظروف غامضة فلم يتناه إلى علم أصحاب الفهارس، ولاسيما أن أبا بكر قد يكون أشار في شرحه للآثار العلوية إلى تلخيصه للسماء والعالم، إذا جاز ما يقوله عنه ابن رشد بهذا الصدد، كما ألمعنا إلى ذلك في نشرتنا لهذا الكتاب(70).