رواية " العدم " ، تأليف جمال ضاهر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الرواية :
أنت هنا
قراءة كتاب العدم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لم يخرج. وغيوم سوداء كانت تتجمّع تُخفي السماء تُظلّلها، والشمس في طريقها كانت تُغادر.
كان الواحد منهم لا يفعل سوى سماع الصالح يقول كلماته. لا يسأل لا يتساءل. يأخذ كلمات الصالح ترافقه كما نفسه، يُردّدها طوال نهاره وليله... حتى يحفظها عن ظهر قلب، ويبدأ يقولها كأنّها كلماته.
كان صوته لا يُفارقهم.
«شاب لم يتعدّ الخامسة عشرة من عمره»، بدأ أصغر أتباع الصالح يقصّ عليهم، «كان يبدأ نهاره يمسك بثلاث قطع من النقود الذهب يُحكم قبضته عليها، يَجلس أمام بيته يَضع النقود في أوّل حُفرة يجدها، يُكمل يُنقّلها بين الحُفر لا يأبه ماذا يتجمّع داخلها... ماء آسن، روث بقرة ضالة، ديدان وبقايا جُثّة بالية. يستمر ينقّل نقوده حتى يكون ولا يتبقّى ما يُشير إلى معالمها، بل وحتى تكون رائحتها ليس أقلّ نتانة ممّا مرّ عليها.
يأخذ نقوده يُحاول يُقايضها مُقابل ما يهدّئ جوعه. يوماً لم ينجح، رغم أنّه كان يُقسم بأسماء الله أجمعها أنّ ما بين يديه نقود ذهباً، بإمكانه يُنظّفها ويُقايضها بأكثر ممّا يُهدّئ جوع ليلة.
أربع من القطع... قد تكون أفضل، قال يوماً لنفسه، الجشع كما الجوع، عليّ قتله وإلا قتلني.
وبدأ يُنقّل أربعاً من القطع بين الحُفر المُمتلئة بالقذر. لم يُقايضوه ولم يأكل.
لعلّها النتانة؟، تساءل بينه وبينه ليبدأ يُعطّر نُقوده يوماً بماء النعناع يوماً بماء الورد.
لم ينجح.
لعلّه لونها؟، قال يصبغ ذهبه بماء الذهب.
ليس بإمكانه الإنسان يُقايض بماء ولو كان بلون المعدن الثمين، قالوا له، ليس من لا يبول أصفر.
تقول القصّة إن الشاب قضى نحبه يُفكر ماذا يفعل، كيف السبيل يَجعلهم يُقايضون ذهبه بكفاف يومه».
همهموا يتساءلون عن القصّة وما غايتها.
قال «لا أعلم، ولكنّها قصّة سمعتها من الصالح قبل شهرين من الآن. قلتُ أقصّها علينا لعلّنا نُدرك غيابه»
لم يخرج.
مكثوا ينتظرون الصالح سنتين وأشهراً ستة، ثم غادروا المكان. الواحد تلو الآخر كلّ في طريقه، يحمل بضع حبّات من التمر يُحكم قبضته عليها، يسير إلى حيث تأخذه قدماه.
لم يبق من أتباعه ومن معهم سوى رجل يُلقّب بالتياح، بمثل عمر الصالح تقريباً كان، «الصالح مِن صَلَحَ»، قال يجلس يتكئ على جذع من النخيل جاف، «الإنسان مِن أنَسَ، والحاكم والحكمة مِن حَكمَ... ومَن يَحكم إنّما بما اختبرت نفسه وأتت، وكذلك مَن يُحكم».
كان الوقت مساء وبعير يقطع خطّ الأفق ورعيان.