رواية " العدم " ، تأليف جمال ضاهر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الرواية :
أنت هنا
قراءة كتاب العدم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
1
«للحياة أقدارها... غيب على الإنسان يراه»، قال الصالح يُحدّث أربع أخواته يوم رحيله. كان الوقت صباحاً، أبوه لم يكن هناك وصُغرى أخواته كانت لتوّها قد وصلت، تحمل طفلها تسند رأسه بيمناها، تُرضعه وتُغني له كما أمّها كانت تفعل معها حتى يأخذها النوم وتتوقّف عن البكاء.
«قد يكون الربيع أجمل لسيركَ»، قالت صُغرى أخواته تُحاول تُؤجّل رحيله، «للرّبيع رائحة ألوان تُرافقكَ، والأخضر من حولك سيجعل سيركَ أخضر».
«عليّ أرى غيبي»، قال ينظر إليها، يُمسك بيدها وقد أدرك أنها ليست جزءاً من غيبه، وأنّه لن يراها بعد رحيله. ولا أباه ولا أزقّة بلدته.
نظر حوله يرى جدران بيته. كان سقف البيت قد تساقط طينه، والأرضية تقشّرت والجُدران تشققت وبانت أحجارها، ناتئة كما كهف، تعتليها خُضرة طحالب وأزرق، وكلمات الخالق مُرسّمة على الجُدران أشكال ملوّنة، وقنديل يتدلى من سقف الغُرفة، رمز لغنى وجد طريقه إلى بيت الصالح فترة من الزمن واختفى.
قد تَطول طريقكَ»، قالت ودموعها تنزلق تُبلّل وجنتيها، وقطرات دافئة تسقط على وجه رضيعها، «وقد يكون ليلكَ كما سيرك طويلاً. ليل الخريف بارد. ليس فقط هنا.
أرافقكَ إن رغبتَ، أسير خلفكَ كما ظلّكَ أحميكَ، أمامكَ وحولكَ، أزيل عثرات الطريق وتحت أقدامكَ. أجمع أوراق الشجر أصفرها وأخضرها أحرقها أدفئكَ...
والنجوم أقطفها والسماء أضيئها، والأرض أجعلها تستوي هضابها وجبالها. ألوّنها. ومن أجلكَ أجعلها بساتين أزهاراً. وثماراً وزيتوناً.
ليس الآن ترحل، طفلي لا يزال رضيعاً.