قراءة كتاب أما بعد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أما بعد

أما بعد

كتاب " أما بعد " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، أما بعد هي أول روا

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

من البداية كما يريدانها

أما بعد..

اسمي يعقوب داود عزرا، ولدت في الكويت عام 1923م، وكذلك ولد أبي في الكويت في نهايات القرن التاسع عشر، وقد هاجر جدي عزرا من العراق إلى الكويت تقريباً في عام 1889م أو قبل ذلك بقليل، عرفت ذلك بحسبة صغيرة حول فارق العمر بيني وبين أبي، وبين جدي وأبي، ولكن عندما سألت أبي عن سنة قدومنا للكويت، قال قدم جدك وجدتك ومعهما عمك اسحاق من العراق، في عهد الشيخ عبدالله بن صباح الثاني، وولد أبي بعد ذلك بعام، بينما ولد عمي اسحاق في العراق.

بعد أن أصبح عددنا مئة وخمسين عائلة يهودية في الكويت، سمعت الحاخام يتحدث في الكنيس، الذي لا أعلم متى بني قريباً من منطقة شرق، كان يقول:

- في القرن الماضي أصابت العراق وبر فارس أزمة اقتصادية حادة، أجبرت العديد من الناس على الهجرة بأعداد كبيرة، حتى بقي بالبصرة على سبيل المثال سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف نسمة فقط، وكانت الوجهة المثلى هي الكويت لازدهارها واستقرارها وأمانها، فهي غير خاضعة للعثمانيين الذين يكرهون اليهود، وقد رحب بنا على هذه الأرض، فقدم معظمنا من العراق، وقليل منا قدم من إيران.

وهذا يبرر نزوح العائلات اليهودية في فترات زمنية متقاربة، حتى أصبح لدينا حي خاص بنا سمي "فريج اليهود"، وسوق خاص لنا هو سوق اليهود، وكان يقع قرب سوق "البوالطو" وسوق "الصفافير" أي الحدادين.

وأغلب عمل هذه العائلات كان في التجارة وصياغة الذهب، وسمعت أن أحد اليهود واسمه الخواجه صالح محلب، أسس في العام 1912م مصنعاً للثلج، ولكن المتزمتين من المسلمين حاربوه، وحرموا شراء الثلج، فباعه لشخص مسلم اسمه محمد حسين معرفي، ونجح المصنع الذي كان يقع بمواجهة البحر واستمر.

أما عائلتنا فقد ورثت تجارة القماش أباً عن جد، كان جدي تاجر أقمشة ووالده كذلك، ثم والدي وعمي، ثم أخي سليمان، أما أنا فرغم محاولاتي النجاح في هذه التجارة، إلا أنني بقيت فاشلاً بها، وبالأحرى لم تكن التجارة بكل أنواعها تستهويني، واكتشفت لاحقاً أنني أهوى العلم والمعرفة، ولاحقاً السياسة والفكر الفلسفي.

تزوج أبي من عائلة يهودية كويتية، تدعى حصغير، وأنجب أخي الأكبر سليمان الذي تغير إلى شلومو، ثم أختي ديزي ثم أنا الأصغر بينهم، وبالنسبة إلى أبي كنت خيبة أمل حقيقية، لأني لم أستطع تعلم تراث العائلة المهني، ولأني لم أنسجم مع أبناء العائلات اليهودية، وكان صديقي المفضل هو موسى المسلم، الذي كان مثلي ضعيف البنية دائم السعال والمرض، وقد قال لي إن والده إمام المسجد ورجل الدين، لم يستطع الإنجاب من زوجته وابنة عمه لسنوات، ولكن فجأة حملت أمه به وهي في أواسط الأربعينيات من عمرها، وعندما ولدته كان صغير الحجم شاحب اللون، ولم يصرخ صرخة الحياة الأولى، بل ظل هادئاً لا يسمع له بكاء، حتى خشي والداه أن يموت، بل توقعا أنه لن يعيش، ولكنه رغم ضعفه عاش وتزوج.

كنا نلتقي بشكل يومي تقريباً في مكاننا المعتاد على شاطئ البحر، وأحياناً كنت لا أذهب إلى المدرسة العبرية، حيث نتعلم القراءة والكتابة العبرية، وتعاليم الدين اليهودي، وكنت أمل كثيراً من الكلام في الدين، خاصة أن فيه أشياء لم أستطع تقبلها بعقلي، إذ لاحظت أن الدين يحمل أحياناً عداء للآخر، أو لمن لايؤمن به، فكان تفكيري يقول:

- إذا فنحن محاطون بالأعداء.

الصفحات