كتاب " أما بعد " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، أما بعد هي أول روا
قراءة كتاب أما بعد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ظللنا صامتين، نتأمل اكتشافاتنا دون دهشة كبيرة، ولعل تلك كانت فضيلة الطفولة، وقد تكون طبيعة موسى المختلفة عن بقية الصبيان، سألته:
- كيف تعلمت القراءة والكتابة بالعربية؟
قال دون تفكير:
- أبي علمني، حتى أحفظ القرآن.
صمت للحظة ثم أردف:
- أبي يعلم الصبيان، وأنا معهم، لكنه يعلمني أشياء أخرى بعد الكتاتيب.
- مثل ماذا؟
- مثل التاريخ وقصص الأنبياء.
صمتنا قليلاً ثم سألت:
- هل تعرف قصة النبي موسى؟
بثقة أجاب:
- أعرفها.
صمتنا فترة أخرى ثم قلت:
- أبي بعد العشاء يعلمني الحساب دون استخدام الورقة والقلم.
مستغرباً:
- كيف؟
- كان يسمح باستخدام الأصابع، يسأل: عشرة زائد عشرة، فأجيب: عشرون، ثم يسأل: وفوقها عشرة، فأجيب: ثلاثون، أبي يقول الحساب أهم شيء في الدنيا.
غرس أصابع رجليه في الرمل الرطب البارد قبل أن يقول:
- أستطيع تعليمك القراءة والكتابة.
سألت متلهفاً:
- متى؟
قال لي بطريقة الأستاذ:
- غداً، هات معك دفتراً وقلماً.
لم يكن لدي غير دفتر المدرسة العبرية، والذي أكتب فيه تعاليم الحاخام، لكن لا بأس، حتى أبي الذي كان يراني أخرج من البيت ودفتري تحت ابطي، قال لي فخوراً:
- "عفارم عليك".
ظاناً أنني سأدرس ما تعلمته من الحاخام، وفي اليوم التالي تعلمت حروف الهجاء، وتوالت دروس موسى لي، فتعلمت أكتب اسمي واسم ساره، وكنت أسأله عن كلمات بعينها، لكن بعد تمكني من القراءة والكتابة، أصبحت أكتب الرسائل لساره، بيد أني أتذكر أني ارتكبت أخطاء في الإملاء والنحو، وأحياناً أكتب أي شيء ليس له معنى، خاصة بعد أن عرفت أنها لا تقرأ ولا تكتب بأي لغة، لكنها كانت في غاية السعادة وهي تستلم الرسائل مني.
قالت لي لاحقاً إنها كانت تفتحها، وتنظر فيها محاولة فك رموز خربشاتي، لكني في مرة كتبت اسمها على ورقة، وقلت لها:
- هكذا يكتب اسمك بالعربية.
ولذا كانت تنظر إلى الرسائل، ولا تعرف غير إسمها، وفي مرة أخرى كتبت لها أحبك، وبعد سنوات لم تكن تعرف من الكلمات العربية المكتوبة، غير ساره أحبك.