كتاب " صمت يتمدد " ، تأليف سليمان الشطي ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب صمت يتمدد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
صمت يتمدد
2
ذهبت إليه، كان يحيى واقفا عند باب الفندق· لفت نظري عدد الحراس المرافقين له·· جاء على رأس وفد كبير، تحيط به هالة السلطة، ليست المرة الأولى التي أرى ضجيجها من حوله· استيقظ إعجابي القديم به· أشار لرئيس حراسه بالابتعاد· صفق باب السيارة· علق حراس·· جواسيس· لهجة جديدة تكشف أمرا·
في الشقة يدير يحيى نظره فيها· خمنت أنه يبحث عن شيء أجهله· يلمح ابتسامتي المعتادة فينفجر ضاحكا:
- العادات القبيحة للسلطة كثيرة··
رفع سماعة التليفون وقال لي شبه معتذر شوق لا قبل لي برده أعرف أن رغداء ستكون على الطرف الآخر من الخط، كان قد قدمها لي لأول مرة، بعد ثلاث سنوات من تعرفه عليها· كتمانه كان مفاجئا لي، قلت له سر من أسرار الإعداد للثورة؟ يقهقه واحدة بواحدة، يا بدوي الأسرار لم أتبين حينئذ إلى أيهما يشير؛ إلى سميرة أم دلال؟· يحيى يتغير كثيرا ولكنه ظل معي طليق اللسان لا يتحفظ·
تتلامس كتفانا كلما تحركنا ونحن منحنيان على حاجز الشرفة، ننظر إلى المدينة العتيقة، يشدني تباطؤ الحركة وتخافت الأصوات التي أستيقظ عليها كل صباح· سألني: كيف رأيتها· الآن لا أرى شيئا، في أول يوم لي، قبل شهور، مساء يوم أحد، رحت أحصي الحمام، ثم انشغلت بعدد انحناءاته وهو يلتقط حباته، أحسست بالتعب، تابعت العابرين المتقطعين، بعضهم يشيرون بأيديهم، يحدثون أنفسهم، أحصيت كل اثنين متخاصرين، يقفان، يتلاصقان، ينفصلان، يواصلان السير· اعتدت كل شيء· أنا أرى المدن·· أتمنى أن أحس بها· من يسألني عن هذه المدينة أرد عليه بالكلمة غير المحددة: جميلة·· أتابع محاولا أن أقول له شيئا:
- رأيت متاحفها··
أرغب برؤية الكثير، ولكن التأجيل انتصر ؛ فلم أشاهد إلا القليل، وهذا القليل جعلني أحس بالأسى عندما أرى المتاحف، وينتابني عجز في المعارض الكثيرة· فتقوم بيني وبينها مسافة فاصلة·· ولكن العجيب إحساسي بالراحة وأنا أشاهد معرض الفن الحديث· أشعر أنني لست في حاجة للتأمل فقط أتلقى صدمة الشكل··
- يا بختك··
أتأمل معه غموض جمال استيقظ مع قدوم المساء، تحرك في يحيى حس المؤرخ والشاعر، يستمر متحدثا:
- لقد ترك فيها الرومان العمارة فامتدت الأعمدة الشامخة وتوزعت التماثيل، تناثرت أبنية تشير إلى مدينة الآثار القديمة··· غرسنا نحن في هذه المدينة أيضا أنياب العتق، يشدها نسيجان مفتولان يتجسدان في طريقين، طريق يتجه إلى الشمال أو قادم منه، تجف الضوضاء فيه، وطريق آخر يجذبها إلى الجنوب الذي يحد من تطلعها··· كلما ازداد لهيب الشمس الآتية من الشرق·· لكن تعرف يا صلوحي أن هذه المدينة حطمت قلب كليوبترا، قتلها القلب الرقيق· يشير إلى بقايا سور قديم: هذا السور بناه روماني اسمه أوريا·· أورياه·· أو ما شابه هذا، أسماؤهم لا تحفظ، كرهت التاريخ الروماني بسبب الأسماء··· في هذا المكان قاد الزباء، عرضها في موكب انتصاره، سارت منكسة الرأس لأنها قالت لا·· ومع ذلك أتاح لها بعد ذلك حياة كريمة· أما الآن فمن يستطيع أن يقولها ويدفع ثمنها؟··
لا جواب عندي· قلت لنفسي مرارا ليت أني واجهت أخي عيسى بلا لتغيرت حياتي·· ولما كنت الآن هنا··