أنت هنا

قراءة كتاب حمار خلف الجدار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حمار خلف الجدار

حمار خلف الجدار

كتاب " حمار خلف الجدار " ، تأليف فوزي صادق .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
3.5
Average: 3.5 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: فوزي صادق
الصفحة رقم: 6

أنا في الجنة وأنت في النار!

كان يرمق الركاب بنظرات خاطفة من موقعه بمؤخرة الطائرة قبيل أن تغادر البوينج الضخمة إحدى مطارات أوروبا ، والمتجهة إلي جنوب شرق آسيا ، في رحلة تستغرق نصف يوم على الأقل ، وما إن استوت وسط الأفـق ، حتى خرجن المضيفات الحسناوات من مخادعهن ، وقدمن المشروبات الروحية والوجبات الشرقية ، فأخرج صاحبنا العربي القرآن الكريم ، وبدأ يقرأ بعض السور الكريمة ، وبينما هو مسترسل ، قاطعه تجشأ الراكب الذي يجلس خلفه ، فنظر إليه بحركة التفافية سريعة ، فطأطأ رأسه متمتماً ، وهو يكلم نفسه ومتوعداً بالنار والعذاب والهلاك لكم يا كفار ! كلكم إلي مزبلة جهنم ، وكلما وقعت عيناه على راكب ، قال هذا في الجنة أو النار، وبعد انقضاء نصف الرحلة تقريباً ، شعر الركاب بمطبات هوائية لم يشهدوها من قبل ، وبأصوات شعر بها كل الركاب ، هي شبيهة بضرب وتصافع بين الواح حديد مصدرها جناحي الطائرة ، فأعلن قائد الطائرة بكل صراحة ، وبصوت جهوري تعرض الجناح الأيسر إلي عطب يمنعهم من الدوران أو الالتفاف ، وإنهم الأن معلقون بين الأرض والسماء على ارتفاع يزيد على أربعة وعشرين ألف قدم ، فأضطر أن يتجه بسرعة إلي أقرب مطار كي يتم الهبوط ولقد أخبرت الجهات المعنية بذلك ، وإن سبب المطبات القوية ، هي المنطقة الجبيلة التي يمرون بها الأن ، فأصاب الهلع والخوف كل الركاب ، الكبير قبل الصغير ، وبدأت النسوة بالبكاء والصراخ ، وجلست المضيفات وأرجعت العربات ، وطلب من الجميع التزام الصمت ، واحتضان الوسائد الصغيرة ، فأصبحت المصيبة أكبر ، فهي مزيج بين المطبات الهوائية ، والأصوات التي تخرج من الأجنحة ، وهي محاولة من الطيار أن تستعيد الأجنحة موقعها الطبيعي ، والطائرة في هبوط منحدر ، فبكى الرجال ، وصرخت النسوة ، فالطائرة مليئة بعدد كبير من الركاب ، ومن كل الجنسيات ، والأديان ، فتباكى صاحبنا الملتزم ، ثم بكى حقيقة بحرقة وصراخ وهو يطلب الله ويدعوه وينذر له أن ينجيهم من مصيبتهم .

لقد تعالت الأصوات ، واختلطت الصرخات ، وتعانقت الصلوات ، فسمع وشاهد صاحبنا صلاة ودعاء معظم الركاب ، وكلاً بما يؤمن ويعتقد ، فظهرت الأديان بكل اشكالها ومذاهبها ، وكشف كل راكب عن ما يضمر من إيمان ويحفظ من كلمات ، وطلب كل متديّن ومعتقد حسب فكره ودينه ما يعبده أن ينجيه ، ولأعلى درجات وكلمات التوسل ، ولم لا ! فإنها ساعة الصفر! ومسألة حياة أو موت ! والبحث جارٍ عن أي سبب لإنقاذهم ، فالقشة أمل الغريق ومطلبه ، وهم في صراع بين كفتي الوقت والموت ، والطائرة بحالة هبوط مائل نحو الأرض التي ستبتلعهم .

من الصعب وصف تلك اللحظات ، أو ترجمة إحساس الخوف بكلمات ، إلا بوجود القارئ معهم في الطائرة ، فقد نسي كل غني ماله ، ونسي كل حسن وجميلة صفاته ، ونسي كل راكب جنسيته ولون جوازه ، ونسوا أشكال بيوتهم ، وفخامة سياراتهم ، ونوع أجهزة جوالاهم ، فسمع صاحبنا المسيحيون يصلوّن بأسم الأب ويسوع وأمه أن ينقذوهم وينجوهم ، وسمع من بعيد مناجات عائلة عراقية ، وهم يصرخون ويطلبون الله بحق وجاه محمد وآل محمد أن يكشف عنهم الله السوء ، وسمع يهودي يدعوا الله بنور موسى وجاه داوود ، وبقراطيع التلموذ وبركاته ، إلا ما نجاهم ، وسمع جالية هندوسية تدعوا وتصلي لكريشنا وأخرى لساي بابا ، وسمع عدد كبير من البوذيين يدعون الإله بوذا وبقواته وخوارقه وهيمنته الأربع ، إلا ما أوصلهم إلي بر الأمان .

في الأثناء ، أخرج بعضهم ورقة لكتابة وصيته ، وسجل بعضهم صوته بالجوال ، وأصوات التشهد وذكر الله تسمع هنا وهناك ، والطائرة ضجت بالصراخ ، وكل ما ذكرناه من وصف يتكرر ويزداد مع سماعهم صوت الجناح وهو يتصافـق وكأنه سينكسر وستسقط الطائرة برمتها. لكن اكتشفتنا إنهم مشتركون بطلب واحد ، وهو ( طلب النجاة وحلاوة الروح ) ووصلنا إلي نتيجة إنهم بشر، وتأتيهم لحظات ضعف يعودون فيها إلي إنسانيتهم وتكوينهم ، وإنهم فقراء ومحتاجون إلي غيرهم ، وهو الرب الذي يعطي ويمنع .

هبطت الطائرة بعد جهد جهيد في إحدى المطارات القريبة ، وهي مقاطعة أسيوية فقيرة هندوسية ، إذ وضعت بالمدرج المتواضع رغوة كثيفة ، فنزلت عليها الطائرة ومعها نزلت أرواح الركاب من الخوف ! والحمد لله تزحلق الجميع على سلم الطوارئ البالونية ، وأستقبلهم أهالي القرية بالتصفيق الحار، والماء والأحضان والدموع ، وتعانق كل الركاب وهم يبكون غير مصدقين أنهم أحياء، فرفعوا الكابتن فوق الأكتاف ، وقبلوا رأسه ويديه ، وحينها تمثلت مكارم الأخلاق في الإنسانية والابتسامة والدمعة ، وصاحبنا بطل القصة مازال يقبل الكابتن ويحمد الله ، وفي النهاية رجع كل راكب إلي وطنه وأهله ، وهو يؤمن ويعتقد إن الذي أنقذهم هو ربه الذي دعاه ، وعلم صاحبنا وتيقن إنه ليس بوكيل الله على عباده، وأنه ليس المسؤول عن الخلق ، وأن الجنة والنار ليستا ملكه وهو يعطيها من يشاء.

شرد ذهني ونسيت إخباركم إن قائد الطائرة من دول أمريكا الجنوبية ، ويؤمن بأن الأديان من صنع الإنسان ، وأن الطبيعة صنعت نفسها صدفة ، وقد تطورت بفعل التعرية الزمنية ، ومازال قائد الطائرة مرفوعاً على الرؤوس.

الصفحات