كتاب " المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة ) " ، تأليف هيا صالح ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )
تؤشر المقالات على ما اتّجهت إليه الرواية العربية على صعيد الأسلوب، من خلخلةٍ للتتابُع الطبيعي للزَّمن عبر الاسترجاعات والاستباقات، وعنايةٍ أقلّ بتفاصيل المكان، واستخدام التكنيك السينمائي والتقطيع الدرامي، واللجوء إلى المونولوج الداخلي وتيار الوعي. كما بدأت الرواية العربية تشهد تحوّلاً بلغَ حَدَّ الانقلاب الجذريّ في صورة الذات، فبدلاً من أن تكون الذاتُ الجمعيّةُ المتشكّلةُ من أصداءِ الذوات الفردية المنسكبة فيها، هي المركزُ، صارت الذّواتُ التي تمتلك كلٌّ منها رؤاها وتصوّراتها وتطلّعاتها الخاصّة، هي المحور الذي تتشكّل الذاتُ الجمعية من تفاعُل مكوّناته وأصداء اشتباكاتها.
وهذا ما استتبعَ تغييراً في بنى السرد، إذ اختفى «الراوي العليم» أو كاد، وهو الراوي الذي ظلّ إلى وقتٍ قريب يقبض على الأحداث، يتنبّأ بها ويحلّلها ويتدخَّل في شارداتها ووارداتها.. وشاع بدلاً منه ضمير المتكلِّم، الذي يمكّن الّراوي من تقديم منظور ذاتي يرصد انعكاسات الخارج على داخل الشخصية. إلى جانب ذلك، برزت ظاهرة الجمع بين أكثر من ضمير سرديّ، أو اعتماد عدد من الرواة في النَّص الواحد، يرصد كلٌّ منهم الأحداث من وجهة نظره، بما يتيح للقارئ إطلالةً ضافية على الأحداث من زوايا مختلفة، والانحياز من ثمّ لوجهة النظر التي يرى أنها تعبّر عنه، بما يجعله شريكاً فاعلاً في إنتاج النص، أو إعادة إنتاجه بحسب ما ترى إحدى نظريات التلقّي.
وعلى وقْع التغيير الذي أصاب الأسلوب والبنية، تغيّرت طبيعة تناول الموضوعات وطريقة معالجتها. إذ تكشف المقالات في هذا الكتاب عن انشغالات الرواية العربية في الرَّاهن، وعن أسئلتها الكبرى التي تتصدّرها موضوعة الحرب بلا منازع، بنتائجها وتداعياتها الكارثية على الجماعة، وقبل ذلك، على الفرد الذي باتَتْ ذاتُه تعاني من الشروخات والتصدّعات، وفقدَ قدرته على الانخراط في الحراك الاجتماعي، أو الانفتاح على محيطه، وسيطرَ عليه الإحساس بالاغتراب والعزلة والتخبّط وفقدان البوصلة.
وقد ظهرت تجلّيات ثيمة الحرب في الأعمال المتناوَلة، بالمزج بين الواقعيّ الذي يمثّل مرحلة الضعف والخذلان، وبين الأسطوريّ الذي يحيل البطلَ أحياناً إلى صانعٍ للمعجزات توقاً إلى قلْبِ معادلة الواقع رأساً على عقب، وتحقيق التغيير المنشود.