كتاب " المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة ) " ، تأليف هيا صالح ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )
تم إغناء شخصية البطل أو الراوي كلي العلم، بتوظيف سلوكات بقية الشخصيات ومواقفها وهواجسها، فيما بدا ما يتوقّعه الراوي أو ما يتناهى إليه من أخبار ويتشكّل لديه من تصورات وآراء، كافياً لإضاءة بعض الجوانب في هذه الشخصية أو تلك.
وقد تنوّعت تقنيات الرواية لتقوم على التدعايات الحرّة والتذّكر والقفزات الزمانية والمكانية، ما حافظَ على منسوب التشويق فيها، بخاصة أنّ الرواية محددة بمكان ضيق جداً لا يتعدّى جدران السجن وأبواب الزنازين والقبو، لذا فقد عمد الكاتبُ إلى توسعة هذا الحيز افتراضياً من خلال الصور والخيالات والتذكّر والحنين إلى الماضي، بخاصة عندما يزداد واقع السجن إظلاماً وإذلالاً وامتهاناً للكرامة، ويبدو المستقبل مصبوغاً بلون جدران الزنزانة ورائحة العفن: «أحلام اليقظة تذهب به إلى محاضراته مع أساتذته وزملائه وزميلاته، ويتذكر تلك المناوبات الليلية في صحيفة (الصباح)، حيث كان يستمر الجدل بين الشباب منقسمين بين مؤيد وبين معارض لهذا التدخل.. ويسرفون في شرب القهوة والتدخين حتى طباعة النسخة الأولى من الصحيفة، كان هطول الصحيفة ساخنة من سقف المطبعة يشكل فرحة متجددة للشباب كل مرة، يتزاحمون على النسخة الأولى يبحثون عن أسمائهم مطبوعة فيها، ويهبطون مع أول خيوط الفجر مشياً إلى وسط المدينة ليتناولوا الحمص والفلافل والشاي على رصيف مطعم هاشم» (ص29).
كما يلجأ «عماد» إلى زهر الياسمين الذي يذكّره بمدينته ورفاقه وصديقاته، ويتذكّر رائحة أمه ووجهها وصوتها الذي يفتقده، ويستحضر آلاف الصور عن السوق خارج الأسوار وحركة الناس والسيارات التي تصعد التل، وشكل أشعة الشمس خارج الأسوار، وهو كثيراً ما كان يحدّثها: «حرريني أيتها الشمس من ترف الغرفة البيضاء.. ما من أحد سواك أقدر على انتشالي من هنا خفية عن أعين الحراس.. خذيني أيتها الحرّة مع شعاعك المنسحب إلى فضائك الشاسع» (ص85).
يتنقل الراوي العليم بين مفاصل السرد ناقلاً الأوضاع اللاإنسانية التي يعاني منها السجناء، ويتطرق إلى الفساد السياسي وبؤس النظام العسكري من خلال رسم صورة كاريكاتورية للجلاد، ومن ذلك عدم وقوف «عماد» أثناء المحاكمة، الأمر الذي أغضب القضاة ودفعهم لإعلان انسحابهم قبل أن يعودوا بعد إلحاحٍ ممن حضروا المحاكمة، لكن «عماد» يمتنع مرة أخرى عن الوقوف، وعندها يتم إخراجه من القاعة، ثم إدخاله من جديد: «قال المدعي العام شيئاً عن الخطر الشيوعي، وقال قاسم بيك شيئاً عن منشورات وكتب وأوراق؛ ووقف شاهدا إثباتٍ لم يرهما في حياته، وأكدا أنه شيوعي خطير.. رد المحامي بطلاسم عن القوانين والدستور والمحاكم النظامية.. أخيراً (جحره) القاضي، ووجّه له سؤال القضاة الأبدي:
- مذنب؟
أجاب بثقة: «غير مذنب» (ص33)، ليُحكَم عليه بعشر سنوات من السجن.
في ظل هذا الواقع «الكاريكاتوري»، يعرف «عماد» أن خلاصه من السجن يكمن في الهرب، وقد حاول ذلك عبر السرداب الموجود بالقبو، والذي دلّه «القِطّ» عليه، لكنه أخفق وقامت إدارة السجن بردم القبو.
وقبيل نقله إلى السجن المركزي في عمّان، تندلع مشاجرات بين السجناء، وتشتعل النار، فيهبّ الجميع لإطفائها، وفي الأثناء ينجح «عماد» في الفرار بمساعدة «القِطّ»، لكنه ما إن يضع قدميه على الشارع حتى تدهسه سيارة، ليتوحد بالثلج الساقط من السماء، وبرائحة الحرية على الإسفلت: «طار عالياً حيث صارت تظهر له بساطة الأشياء وعمقها» (ص197).
• دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمّان، 2011.