قراءة كتاب المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )

المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )

كتاب " المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة ) " ، تأليف هيا صالح ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

تظل الرواية تهجس بالحرية كلما تشعبت دوائرها واتسعت أكثر. فـ«أنّا» التي تبدأ بالتعرف على مراحل الحياة، منذ حلول الروح في الجسد، حتى الموت، ترى في الموت معادلاً للحرية، إذ أن خروج الروح من الجسد يعني تحررها من القيد الذي يكبلها، وحين تمتلك حريتها فإنها تمتلك سعادتها. وهو ما يتضح مثلاً من حادثة غرق الدمية التي تسارع «أنّا» لإنقاذها من الموت، ثم تشعر بالندم بعد ذلك لأنّها حرمت دميتَهَا من لذّة استعادتها لحريتها بالموت: «قرأت الرسالة على الفور. قرأت رسالة اللوم التي تستصرخ الخفاءَ قائلة إنّ الخطيئة التي تَفوقُ بجرمها القتلَ هي أن ننزع الخَيَار من مخلوق، فنقوده غصباً إلى الجنّة مكبلاً بالسلاسل. لأن السلاسل في عرف الحرية هي السلاسل. هي السلاسل حتى لو قادتنا إلى الجنّات» (ص38).

كما هيمنت على «أنّا» فكرة اللااستقرار، والذهاب باتجاه المجهول، وأن الرحيل من الجسد هو ما يحقق للروح والخيال الذهاب باتجاه الحرية. وظلت الصحراء معادلاً للحرية، ومهرباً من صورة الواقع بأصفاده وأغلاله؛ الصحراء الممتدة التي لا يعرف ساكنوها الاستقرار، مواصلين ارتحالهم نحو مكان جديد وكشف جديد دائماً.. وفي ذلك يكمن سر إقبالهم على الحياة، وإحساسهم بحلاوة الحرية. تروي «أنّا» عن أهل الصحراء، أنهم: «يلتحمون بساحة الحرية الخالدة المسمّاة في لغتكم صحراء، فتزرع في قلوبهم أحاجيها. تلك العطايا الخفية التي تحقق أعجوبةَ التماهي بين السماء المرصعة بالأنجم والأرض المغسولة بالعراء والعزلة وأشعة الشموس الأبدية لتخلق من القطبين بعصاها السحرية جرماً واحداً، طينة واحدة، حرماً واحداً» (ص130).

فالصحراء، كما تصورها الرواية، تبدو معبداً لناسك أو صومعةً لمتصوّف ينقطع عن أسباب الدنيا للتأمل في حالها، واكتشاف أسرار الكون وخفاياه، عبر تأمله وتفكّره فيها. ومن الملاحَظ اهتمام الكوني بالمفردات والتعابير ذات البعد الصوفي في المقاطع التي تصف الصحراء (من مثل: خلوة، حلول، عزلة، المريد...): «صاحب العزلة (سواء انقطع بعزلته في الصحراء أو استدعى خلوة الصحراء لتسكن هي قلبه بدل أن يسكن هو قلبها) هو دائماً من الخوف في أمان، لأن عزلته ليست تقوقعاً أو انطواء كما يظن البلهاء، ولكنها عزلة الانقطاع إلى الكون، عزلة التماهي مع كائنات هذا الكون» (ص131).

تصور الرواية رحلة «أنّا» -والترحال صفة ملازمة للصحراء- مع الكاهن الذي يعرج بها إلى أعلى سفح الجبل لتطل من هناك على أهل الأرض، وترى أحوالهم بعد أن تخلّوا عن الصحراء/ الحرية/ الفطرة التي فُطروا عليها، واستطابوا حياة الاستقرار والمدنية، فأصبحوا يكيدون ويتنابزون ويتقاتلون ويمارسون مختلف أنواع الشـرور... فالأخ «مسكون بالشـر يترصد أخاه في الرحم والدم ليقتله في سبيل الاستيلاء على شبر أرض». والمرأة تقتل زوجها لأنه «لم يشترِ لها من السوق زينة من معدن الذهب اللعين لتتباهى بها أمام جاراتها في حفل زفاف قريبتها». والابن «يتآمر لدفن أبيه حياً انتقاماً لأنه رفض أن يهبه ثروته كي يحقق بها صفقة مشبوهة» (ص134).

ولعل قمة الشَّر تكمن في الاعتداء على الصحراء وكائناتها، إذ تنتهي الرواية بموت الحيوان الجبلي المسمى «الودّان» والذي أطلقت عليه «أنّا» لقب «الإله الجبلي»، لأنها ترى أنه يجسّد قدرة الله في خلقه. حيث يقْدم أحدهم على قتله، مما يستفز «أنّا» التي تتكلم، أخيراً، بلسان أهل الدنيا، فترتكب بذلك الخطيئة التي افتتحت الروايةَ بالتحذير من الوقوع فيها: «أحسستُ بسمّ الإثم يسري في عروقي، وفي دمي. لأعلم أخيراً أني تكلمت. لم أتكلم بلسان الصمت كما تكلمت دائماً. ولكني تكلمت بلسانكم أنتم هذه المرة. تكلمت بلساني فارتكبت الخطيئة. تكلمت بلسان الخطيئة ففقدت لساني» (ص137).

هنا، تبدو الرواية في الإطار العام، كبقعة ماء أُسقط فيها حجر فشكّل دوائر متعددة (الاسم، الزمان، القمقم، الدمية، كلمة السـر، الخطيئة 1، السعلاة، الميلاد، الخروج، الرؤيا....)، تتسع كلّ دائرة لتضمّ ما قبلها، وتبشّر بأخرى أكثر اتساعاً تولّد منها وصولاً إلى نقطة النهاية؛ النقطة التي بدأت منها.

• المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005.

الصفحات