قراءة كتاب المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )

المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة )

كتاب " المسافة صفر ( اشتباكات الرواية والحياة ) " ، تأليف هيا صالح ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

إن «أنّا»، كما يتبيّن القارئ من خطابها ومن اسمها أيضاً، طفلة غير عادية، تتمتع بنبوءة وبقوة خفية، وكأنما هي تجلٍّ أرضي لصورة إلهية: «اسمي، إذاً، قرين القطب. اسمي قرين مالك الثقلين والأرض والسماوات وما بينهما. فكيف لا أتزعزع فرحاً بهذه الشهادة التي كبلت بها الأقدار عنقي نبوءة تنزّلت في قلب أبي الذي وسمني يقيناً منه أنه يطلق الاسم علي تبركاً باسم الأم كما يرد في ألواح الأمم الأولى» (ص10). ولذا تبدو «أنّا» قادرة على استشراف المستقبل، وعالمة بخبايا الناس وأسرارهم، ويشي خطابُها بالحكمة العميقة التي يتخللها موعظة تكون أحياناً مباشرة، تدل على الرسالة الإلهية التي تحملها «أنّا» لأهل الأرض. وهنا مثال على ذلك: «المأساة ليست في أن تأتوا المنكر، ولكن في أن تستمرئوا المنكر. المأساة ليست في أن تقترفوا الآثام، ولكن في ألاّ تستشعروا الخجل أو الندم. لأن صاحب الإثم ليس من يقترف الإثم، ولكن الآثم هو من يكابر، هو من يرفض أن يعترف بالإثم، هو من ينكر التوبة» (ص15). ولعل الخطاب الوعظي المباشر، وإن كان هناك ما يبرره موضوعياً، لا يوجد ما يبرره فنياً، خصوصاً وأن هذا الخطاب تخلّل معظم أجزاء الرواية، كاشفاً أحياناً عن تدخّل الكاتب وإملائِهِ رؤيتَهُ على الشخصيات.

تعاين «أنّا» طبائع البشر من خلال احتكاكها المباشر بنماذج منهم، كالمرأة «السعلاة»

التي لا تكف عن الثرثرة والكذب والنميمة. والمرأة الساحرة التي أرادت أن تكيد لأمّ

«أنّا» ولجدتها، فانقلب السحر عليها، إذ أنّها بعد أن وضعت مسحوقاً غريباً في قارورة

الماء لتشرب منها الأم أو الجدة، رأتها «أنّا» التي حاولت جاهدة سكب القارورة على

الأرض ليغمر الماء مقعد الساحرة التي غادرت مكانها كمن لدغتها أفعى، وما أثلج صدر «أنّا» هو النتيجة، حيث «أقلعت تلك المخلوقة عن زيارتنا، فلم يقع عليها بصـري بعد ذلك اليوم أبداً» (ص48).

تقوم الثيمة الرئيسية للرواية على تمجيد الحرية واستجلاء مفهومها، ورفض كل ما يحدّ منها أو يحجّمها. لذلك تطلق «أنّا» وصف «قمقم» على الجسد الذي تراه سلسلةً من عدة سلاسل تكبل الروح، منها ما هو خارج عن إرادة الإنسان كالجسد، ومنها ما هو من صنع الإنسان كاللباس والقماط والجدران والأرض.... أصفاد تلو الأخرى تحدّ من انطلاق الإنسان، ومن إحساسه بالحرية: «تزحزحت من المكان في محاولة بطولية للتحرر من أغلال المكان، في محاولة للاغتراب عن الأرجوحة، عن الدار التي تحوي الأرجوحة، عن الأرض التي تسع الدار، عن الدنيا التي تلف الأرض» (ص24). وفي مقطع آخر: «كأني أتساءل عن حقيقة الحرية التي لا تَهِبُنا نفسها بوسيلة الجسد. كأني أنكر وجودي في الجسد إذا كان لا يستطيع أن يصير مطيةً تطير بي إلى الحرية» (ص25).

الصفحات