أنت هنا

قراءة كتاب ويزهر المطر أحيانآ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ويزهر المطر أحيانآ

ويزهر المطر أحيانآ

كتاب " ويزهر المطر أحيانآ "، تأليف نيرمينة الرفاعي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

لم يكن أهلي من طبقة المعدمين.. بل كان أبي تاجر أقمشة أباً عن جد.. ولكن ثروة أبي تتلاشى وتتضاءل أمامَ ثروة معاذ بصفقاته الضخمة المشبوهة..

وقعت عيناي على حبالِ الأرجوحةِ المعلقةِ على شجرةِ السنديان المتفرعةِ غصونها تعانقُ سماءَ حديقة بيت أهلي..

طالت أصابعُ الريح الأرجوحةَ فحركتها.. بدت تعلو وتهبط بحركةٍ منتظمة وكأن شخصاً ما قد تركَ الدنيا كلها وانشغلَ بأرجوحته في هذا المساء..

خُيل لي في تلك اللحظة أنّ هذا الشخص هو أناي الأخرى.. فقد كنت كلما ضاقت بي الدنيا ألجأ بخيالي إلى بيتِ أهلي، وبالتحديد إلى تلك الحبال المربوطة بالشجرة.. حتى كدتُ في الفترة الأخيرة أقتنعُ أنّ نفسي قد انشطرت، وأنّ جزءاً منّي قد تركني وباتَ يقضي جُلّ وقته يتأرجح على تلك الحبالِ المعقودةِ كالظفيرة..

انطلقَ معاذ بالسيارة مسرعاً يجوبُ الطرقات، بينما كانت ذاكرتي تجوبُ طرقات حياتي.. تذكرتُ يومَ انتقالي من بيتِ أهلي إلى بيتِ زوجي بعد سنين من محاولاته لاستمالتي، كنتُ أعتقد أنه يعشقني حدّ الجنون.. تحت إصراره وافقتُ على الزواجِ منه قبل خمسِ سنين، واكتشفت لاحقاً أنني ما كنت سوى نجاحٍ آخر يضيفه إلى نجاحاته.

نعم، نجحَ في جعلي أحملُ اسمه.. أنا.. ابنةُ الجيران، باسم عائلتي المتواضعةِ أمام ضخامةِ اسم عائلته.. أنا نرجس ذات الجمال الذي يبعدُ كل البعدِ عن التواضع، بعينيّ العسليتين القادرتين على إخضاع من أشاء من الرجال.. لكن الأمرَ لم يستهوني يوماً.. فأنا ما كنتُ في قرارةِ نفسي سوى فتاة بسيطة، لم يقطف قلبي سوى ذاك الشاب بعينيه البُنّيتين.

خالف القدرُ إرادتي، ولم يكن هو من نصيبي.. فأصبحَ الرجالُ من بعده سواسيةً، لا فرق بينهم عندي.. صاروا مجرد أسماء.. فانتقيتُ اسماً من بين الأسماء التي أمامي.. كان اسم معاذ.. نصيبي!

لا تلوموني لأنني تزوجت بهذه الطريقة.. معظم الفتيات في بلاد الشرق هذه يفعلن مثلما فعلت.. بل لقد كنت محظوظةً بينهنّ لأن الله أهداني في ما مضى حبّاً صافياً عذباً أرتوي من بحارِ ذكرياته كلما شعرتُ بالظمأ..

بلاد الشرق صحراويةُ الطباع، يخيفها المطرُ، ولا تتردد بشنق الغيمةِ قبل أن تنجب، خوفاً من البلل...

أنا محظوظةٌ لأنني غنيةٌ بذكرياتي قبل الزواج... هي كنزي العظيم الذي أخبئهُ في قلبي بحرصٍ وعنايةٍ وأخفيه عن عيونِ البشر...

أتفقدُ هذه الذكريات بين الحين والآخر... أتحسسها برفقٍ... أتنهدُ برضى وسعادة... وأستمد منها صبراً للأيام القادمة...

توقفت السيارةُ.. توقفت ذكرياتي، ودخلنا أحدَ الفنادقِ ذاتِ النجوم الستة، وجلسنا على طاولةٍ تتسع لأكثرَ من اثنين.. كان ثالثنا صمتنا.

لم يكن صمتنا ضيفاً غريباً، بل كان يشاركنا أغلبَ أوقاتنا... فلم يزعجني هذا السكونُ الذي لم يقطعهُ سوى حديثنا إلى النادلِ وطلبنا بعضَ الأطباقِ غريبةِ الاسم، التي لم أستسغ يوماً لا شكلها ولا طعمها، خاصة عند مقارنتها بالأطباقِ الشهيةِ التي كانت أمي تُعدُّها باتقانٍ متوارثٍ عن الجدة وجدة الجدة....

الصفحات