كتاب " الشجرة النادرة " ، تأليف مرام شهاب ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الشجرة النادرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الشجرة النادرة
(6)
كانت حاجة داني للخلوةِ بنفسه، وانجذابه للمكان الذي نشأ وعمل جاهداً فيه نفس الحاجة التي بحث عنها وهو صغير، كانت في رأسه مجموعة أسئلة يبحث عن إجابة لها، فعندما كانت حاجته للإجابة آنذاك عن أسئلة كان يجد بقربه الرجل العجوز, يُجيب عن ما يدور في ذهنه، لكن عندما أصبح راشداً وفقد العجوز كان قد توفر لديه الوعي الكافي، الذي يتكون عند الإنسان بعد مرحلة النضج من خلال خوض التجارب في الحياة واكتشاف كل ما يدور فيها لاستكمال مسيرته في الحياة, فأخذ يبحث عن الحكمة من مصادرها، والقول الفصل من مواطنه، فانكب على قراءة كتب التراث، فاختار من عيون الحكمة ما اختارها، ولازم الجلوس مع الحكماء والأدباء لينمي فكره، واقتنى من عيون الكتب الشيء الكثير، وكان يدوّن كل ما يقرأه ويراه مفيدا، ومما دونه من قصص تحمل في طياّتها الحكمة ودوّنها في مذكراته:
روي أن أحدَ الولاةِ كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكراً في زي تاجر، وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ ليس فيه شيء مما يغري بالشراء، كانت البقالة شبه خالية، وكان فيها رجل طاعن في السن، يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك، ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار، اقترب الوالي من الرجل المسن وحيّاه، ورد الرجل التحية بأحسن منها، وكان يغشاه هدوء غريب، وثقة بالنفس عجيبة .. وسأل الوالي الرجل:
دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟
أجاب الرجل بهدوء وثقة: أهلا وسهلا، عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق.
قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية.
فما كان من الوالي إلا أن ابتسم، ثم قال:
هل أنت جاد فيما تقول؟
أجاب الرجل:
نعم، كل الجد، فبضائعي لا تقدَّر بثمن، أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه.
دُهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة.
وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان، ثم قال:
ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع!
قال الرجل: أنا أبيع الحكمة.. وقد بعت منها الكثير، وانتفع بها الذين اشتروها!، ولم يبق عندي سوى لوحتين.
قال الوالي: وهل تكسب من هذه التجارة؟
قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة:
نعم يا سيدي، فأنا أربح كثيراً، فلوحاتي غالية الثمن جداً.
تقدّم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنهما الغبار، فإذا مكتوب فيها:
( فكر قبل أن تعمل ) ....تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل، وقال:
بكم تبيع هذه اللوحة؟
قال الرجل بهدوء: بعشرة آلاف دينار فقط.