أنت هنا

قراءة كتاب إمرأة الرسالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمرأة الرسالة

إمرأة الرسالة

كتاب " إمرأة الرسالة " ، من تأليف رجاء بكرية ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، نقرأ من المقدمة :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 3

الفصل الأوّل

فكّ أزرار المغلّف بأصابع راعشة شوقا أو رعبا، لا يعرف، لكنّهُ سمع ضربات قلبه تقفز فوق السّطر، عثر عليهِ ممحوّاً بأحمر شفاه أزرق، ثمّ صفعته موجة انبعثت من وهج رائحة حرّيفة لامرأة بخمرِ قرنفلة. تشبه ما فكّر أن يكتبه ولم يجرؤ،تعبّأه الصّوت، ثمّ لم يسمع غير أنفاس نهمة لقبلة تلاحق شفاه.

" ترى هل توقعتُها؟ رسالة ببريد مستعجل مثل بريدي، أم أنّ المفاجأة عقدت سحابة غائمة بين حاجبيك؟ لقد وعدت نفسي بالإقلاع عن التوقع بشأن ما سيكون منك ما دمت شريكة غائبة عن السطر، وحدها الكلمة تزاحم الآن مزاجك العصبي كي تحضر معه، فلا بأس إذن من ردود فعلك مهما تكن.

لم يحدث أن اضطربت هكذا، وأنا أكتب رسالة، لكنّ يبدو أنها رسالة غير عادية لرجل لم يعد عاديا. كلامها مشتت في أقصى درجات تركيزه، ورغما عنه. لم أخطط لها، إنّما هي من كتبت كلامها. فمن عادتي ألاّ أكتب رسائل لرجال، لأنني لا أعرف أين يذهبون بها. وربّما لو كنت أعرف مثلا أين ستأخذ رسالتي هذه لامتنعت عن كتابتها. لا، آسفة، لم يكن أمامي غير هذا الخيار. فحين تنعدم الخيارات المنطقية أمام امرأة، تحيل قلبها إلى رصاص وتطلقه على مساحات بيضاء يسمّونها رسائل. بلا ترتيب، وبدون ضوابط. لأنّها تكتب حينذاك بلا قلب.

تململ قليلا، وهو يغيّب السّطور تحت كفّيه، ويلوّن قلبه بالشّوق. مدّ رموشه إلى السّطر، وقرأ:

إذن أريدُكَ أن تعرف أنّني أكتب برصاص ينبض عنّي. كيف حدث ذلك؟ لا أعرف. عذرا نسيت سيجارتك، هل ترغب في إشعالها الآن، أم أنّها ذابت بين أصابعك من أوّل سطر؟ هل قلت لك أنّني أرتجف شوقا، وخوفا ربّما. وأنّ الكتابة إليك كانت مخاطرة منذ الكلمة الأولى؟ وغير منطقية تماما؟

هكذا شاءت صرعة القرن. أن نستعيض عن هاتف المكتب باللاسلكي وعن اللاسلكي بالخليوي وأحيانا نستعمل عنه البرقيات الهوائية، هكذا أحبّ أن أسمّيها، فما هو المنطق إذن برصاص يذوب بين جفني السطر كي يحفر إحساس امرأة مهما يكن؟ منطقي ربّما في اعتبارات امرأة ضاقت بها السبل. وأعني ترتجف مثلي بمجرد أن تتخيل الورقة البيضاء مستلقية بملء عافيتها بين يديك. كيف؟ ولم تمت حين مزّقتَ طرف المغلّف وبدأتَ تسحبها بنفاذ صبر؟

تهدّجت أنفاسه، والتفت حوله، كأنّه خاف أن يُضبط متلبّسا بتقبيل الكلمات الّتي تداور عينيه. بشيء من العصبيّة أطفأ عقب السّيجارة. دفنها في عمق المكتّة، وأشعل واحدة جديدة.

استفزّته الكلمات من جديد حين حرّك طرف المغلّف الممزّق..

"أنا لا أعرف كيف تفتح مغلفات رسائلك لكنّني شبه متأكّدة أنّك لا تلجأ للآلات الخاصة بالرجال المهمين. لا زال في أصابعك رائحة النزق الأولي وسلوكياته، حزرت من الطريقة الّتي كنتَ ترسلني بها إلى الغرف المحترقة بأنفاس البشر، وتجرى راسما في الهواء حركة غريبة من يدك، وتعني سأعود إليكِ أو سأجدكِ. وكنتُ أحتار كيف ستجدني بين هذا الخلق الهاجم على البلاط والحجارة والكراسي والطاولات والأصوات.

بصراحة لم أعتد على هجمات البشر المنظّمة، وأخاف من الحشود، وقد أهرب دون تفكير إذا وجدت نفسي وحيدة. فجأة تذوب قوّتي وجاذبيتي أيضا، وأشعر بأنني طفلة ضائعة. هل يفهم رجلٌ هذه الأحاسيس المركبة عن امرأة تُذهِب عشرة رجال إذا علت أصواتهم إلى مقبرة؟ مؤكد لن يفهم، لذلك يجوز ألا يكّف مثلكَ عن إرسال عينين مستأجرتين خلفها حتّى تفرَغا عيناه الاثنتان مما يشغلهما.حكّ ذقنه، وقطّب ما بين عينيه حين رآها واقفة محنيّة القلب تعترف:

الصفحات