كتاب " أوراق امرأة " ، تأليف عواطف الزين ، الذي صدر عن دار موزاييك للترجمات والنشر والتوزيع ، نقرأ م
أنت هنا
قراءة كتاب أوراق امرأة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفارس
كانت تحلم به قبل أن يتبين لها اللون الأبيض من اللون الأسود في عينيه، وتخاله آتياً نحوها على حصان أبيض متجاوزاً ضبابية اللحظة وسرياليتها، كانت تخاله آتياً على أي حصان، فلم يكن يشغلها لون حصانه، كان يعرف طريقه إليها، لكنه لم يكن يصل أبداً، رغم أنها كانت تحصي وقع حوافر حصانه ويملأُ أسماعها صهيله. بدا لها فارساً من فرسان الحكايا والأساطير أو من زمن الأبيض والأ سود.
***
لماذا يرتبط مجيء فارس الأحلام بالأحصنة البيضاء، وأجنحة الملائكة، وضبابية الأشياء؟ هل يعني ذلك أنه مجرد سراب عابر للمشاعر؟ تقول لنفسها: وما الذي سيأتي به على حصان أبيض؟ إلا إذا لم يكن يملك خياراً آخر أو حصاناً آخر؟ ألم يسبق أن افترضَ أحدُهُم أنَّ فارس الأحلام قد يأتي بلا حصان؟ وهل بالضرورة أن يكون من أصحاب الإسطبلات؟!
***
تبتسم بينها وبين نفسها خلسةً، وهي تستعرض صور العرسان الذين تقدموا إليها، ليفوزوا بها زوجةً، وتخيَّلت كلَّ واحدٍ منهم آتياً على حصان مختلف اللون، فازدادت ابتسامتها اتساعاً وارتفعت قهقهاتُها وهي تفترض أن سامي لن يستطيع أن يمطتي أي حصان لبدانته، وكذلك عصام لنحوله الشديد، إذ يبدو مثل ريشةٍ في مهب الريح، وازداد استغرابها وهي تتذكر حفلة التنكّر التي استقبلت بها أحد أقاربها – وجيه- وهو يجرُّ حماره ويضربه بعصاه ليستعجله، كان يريد أن يصل إليها بسرعة من قريته النائية، بعد أن وعد نفسه بأنَّها لن تكون لغيره، فهي قريبته من جهة الأم، وهو أحق بها من فلان أو علّان، وهي وحدها القادرة على أن تكون زوجة "غير شكل" تبدِّدُ ما تَجَمَّعَ من غيومِ فراغٍ في سماء وحدته، بعد وفاة زوجته في حادثٍ أليمٍ .
تتذكر يومها كيف وضعت على وجهها قناعاً كرتونياً غريباً، مقلَّدةً الساحرة في إحدى قصص الرسوم المتحركة وخرج العريس خائباً ولم يعد. أما يونس الذي كان بيته ملاصقاً لبيتها فقد كانت تحاول في كلِّ مرةٍ أن تلبسه زيّاً جديداً يتناسب واللحظة التي تعيشها، فمرة تتخيله قادماً على حصان، حتى ولو استعاره من بيت الحاج داوود فتصحو من الحلم ولا تجد يونس أو الحصان .
وفي حالات أخرى كانت تلمحه مارّاً أمام بيتها، يبحث بعينين حائرتين قلقتين عن وجهها النابض بالانتظار واللهفة، أو قافزاً من فوق سطح بيته الملاصق لبيتها، ليعبَّرَ لها عن هيامه وقسوة لياليه ونهاراته، أو مادّاً يده بوردة من فتحة في جدار بَيتِها المطل على حديقته، لكن أيّاً من كل تلك التَّخيُّلات لم يتحقق .
وما كان يحدث على الأرض، لايشبه بتاتا شريط أحلامها وتهيؤاته، فقد كان يكسر بحضوره العابث هنا او هناك، كل توقعاتها، ويكتفي بنظرة موحية من عينيه لا تعد بشيء، ولا تفضي إلى أكثر من إعجاب عابر، كانت تعطيه أكثر من حجمه، ولم يتوقف خيالها عن الجموح، إلا بعد أن سمعت بسفره إلى عالم جديد.
***
كثيرون عبروا خيالها، وواقعها،جاؤوا فوق أحصنةِ الأحلام، أو من دونها. انتظرت كثيراً فارسها الأنيق قلباً وروحاً، لعلَّه يجيء قبل أن يطوي الزمنُ زَمنَها المتألق نضارةً ونداوةً، فقد تخلَّت منذ بعض الوقت عن الدخول في التفاصيل التي اعتادت التدقيق فيها .
في إحدى المرّات رفضت عريساً مميزاً فقط لأن رنة صوته الرفيع لم تنل إعجابها، لكنها لم تندم فملامح الصوت تعادل لديها ملامح الوجه والقلب والمشاعر.
استعرضت زمناً من الوجوه والأصوات والأمنيات والأحلام والأحصنة، لكنها لم تجد فارسها بينهم. حاولت أن تغير وسيلة النقل فربَّما تحظى به ويحظى بها، لكنَّ كلَّ وسائل النقل كانت معطلة، أو في حالة استغناء أو إضراب.
تجاوزت منيرة واقعها، لكنها لم تستطع تجاوز خيالها المفتوح على كلِّ الاحتمالات، في زمن اختلاط الألوان والأمزجة والوسائل والعواطف.


