أنت هنا

قراءة كتاب أجراس الخوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أجراس الخوف

أجراس الخوف

كتاب " أجراس الخوف " ، تأليف هشام مشبال ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 3

استيقظ كعادته في السادسة صباحا، ذهنه يعج بالأسئلة والقلق العذب المستمر. أزاح ستارة النافذة الضيقة وفتح الشيش قليلا ثم أطل بعينين كئيبتين على الحديقة البليلة وقد اغتسلت بالأمطار فانبعثت إلى أنفه رائحة التراب الندي الطري في هذا الصباح المفعم برياح التأمل. وقد تماثل هذا المشهد مع شريط الصور التي تملأ ذاكرته الفتية، واستدعت صباه حيث كان يقف وحيدا عند النافذة بعدما يعتلي كرسيا ليودع أباه الذي يذهب إلى العمل وقد أحاط ذراعيه بمحفظة جلدية ثقيلة مملوءة بالكتب والكراسات. كان يمضي صباح كل يوم في البكاء على أبيه الذي يخرج من المنزل وهو يقبله بقوة ويشير إليه بأنامله الطويلة ويخطو خطواته البطيئة، ليظل بعدها وحيدا خلف القضبان ينظر إلى ظهر أبيه وهو يبتعد رويدا رويدا ويختفي خلف أسوار البيت.

أسدل الستارة ثانية ثم فتح باب الغرفة فوجد الكلب الصغير "طروشكي" يلتف حول نفسه ويتمرغ في الأرض كما يفعل الحصان. "لا شك أنه اسيقظ قبلي، أو ربما تأخرتُ قليلا كي لا أواجه بمفردي ذلك الصمت الرهيب الذي يحوم في البيت كل صباح" هكذا تمتم في نفسه بأصوات متقطعة وهو يمرر يده فوق ظهر الكلب الصغير ببطء.

توضأ وصلى ركعتين ثم أعد كأس شاي أسود بلا سكر وتوجه إلى غرفة المكتب ليذوب كعادته في نشوة الكتب. تبعه الكلب والتف حول ساقه في شكل نصف دائري. ظل نجيب يقلب الصفحات وكأنه يتمثل أسرارها بعمق، ولكنه في الحقيقة لم يلتقط شيئا. رسخ لديه جيدا أن روحه تحلق بعيدا في عالم متشابك مبهم مرتبك.

انتشل خيالَه السقفُ الأبيض ذو الشروخ والشقوق الرقيقة التي انتشرت بكثرة وراحت تزحف كأنها ثعابين في صحراء قاحلة. التقط الظرف الأبيض وأخرج الورقة الموقعة من المجلس البلدي بأختام مختلفة الألوان كتب أعلاها:

- قرار هدم المنزل رقم..

لم يكمل نجيب قراءة الجملة. ظل يتساءل حائرا في ذلك الصباح المفعم برياح الخوف. وبعد لحظات تأمل، كان الطفل الصغير محمود يتسلق ساقيه الطويلتين وهو يبتسم. هلت الفرحة من جديد في قلب نجيب وهو يرفع ابنه بيديه ويتأمل في عينيه المدورتين الناعمتين كل جمال الدنيا. ظل يقبله ويشم رائحته الخاصة.. كانت مزيجا من الحنين والحب وهواجس الذات التي غمرها الخوف واللايقين. دقت الساعة السابعة دقاتها الرهيبة فاستيقظت فاطمة تحمل بين يديها "تاريخ بغداد". وضعته فوق الطاولة وتمنت من أعماقها لو أنها تملك القدرة لتخفيه من الوجود، لكنها استسلمت لهواجس الخوف الذي بدد غيرتها الطبيعية الأنثوية، ثم ذهبت بعد ذلك لتوقظ صغيرتها دعاء:

- هيا يادعاء حان وقت المدرسة.. هيا عزيزتي..

الصفحات