أنت هنا

قراءة كتاب أجراس الخوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أجراس الخوف

أجراس الخوف

كتاب " أجراس الخوف " ، تأليف هشام مشبال ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

- أنت السبب.. تتزوج أنيسة وأنت تعرف أنها لم تحبك ولن.. بل أحبت مصطفى زميلك الذي لم تفرقكما سنوات العمر ولا مشكلات الحياة، بقدر ما فرقكما الطمع، بل طمعك أنت وليس هو.. فلولا فقره لكانت أنيسة الآن بين أحضانه.. ولكانت قررت الإنجاب من الشهر الأول لا أن تداوم أقراص الحمل خمس سنوات متتالية..

انسحب من شلال الماء الساخن وانحشر في سريره الواسع ثم أدار وجهه إلى الجهة اليسرى فواجهته صورة زفافه باللونين الأبيض والأسود المعلقة على الحائط، وتمنى في تلك اللحظات لو يرجع به الزمن إلى الوراء ليعيد ترتيب أوراق حياته. أيقن تماما أن حياته انحصرت بين التفاهة والضحك المزيف وبين المشاجرات الدائمة والنكد المتواصل. تأمل صورته جيدا فشعر أن هذه السنوات التي مضت لا تقاس بالشيب الذي انتشر في رأسه أو بالتجاعيد التي قسمت أسارير وجهه الممتلئ، وإنما تقاس باللحظات التي يشعر خلالها الإنسان بالسعادة. بينما في حالته هو، تقاس حياته بلحظات القلق والحزن. فعلا، لم يتذكر كمال من حياته المضطربة سوى الليالي التي خرج فيها من منزله في منتصف الليل حقنا للمصائب التي قد تحدث إذا ما واصل طريق الجدال العقيم. تسللت إلى أعماقه الكلمات البذيئة التي لم تنقطع أبدا، واستدعت ذاكرته بصفاء مشهد الأواني التي تكسرت فوق رأسه مرات عديدة.. والأحذية التي طالما انهالت عليه.. تذكر كل ذلك وهو يحاول أن ينهض من سريره ليتأمل وجهه في المرآة.. لكن أنيسة التي كانت ملتهبة ساعتها أطفأت نور الغرفة فبدد الظلام كل الهواجس التي تطارده، واستسلم كعادته للنوم بعد أن قرر ألا يغرق في بحر الويسكي هذه الليلة.

أما عاطف فقد صنع لنفسه عالما فريدا يحقق له نشوته الخاصة. ضغط على زر أباجورة أمامه ثم أطفأ المصباح المتدلي من السقف فانبعث لون أحمر في الغرفة. بعدها التقط أسطوانة لعبد الحليم حافظ وأخذ يتأمل تفاصيل حياته العليلة على أنغام أغنية "حبيبتي من تكون". حاول أن يطرد من ذهنه كل الهواجس التي لا يستطيع التخلص منها بسبب طبيعته المتحكمة فيه لكنه لم يفلح كعادته. هزمه شيطانه من جديد فقرر الاستسلام لعلته، أي علة؟ هكذا تساءل في نفسه منقبضا تتقاذفه الأفكار، ثم واصل:

- لماذا أنا هكذا؟

ومثل كل مرة.. ظل صامتا يفكر في تفاصيل مبهمة لا يستطيع فهمها.

فتح عاطف عينيه على دنيا حزينة صنعت شخصيته. عاش طفولته وحيدا وخائفا على الدوام.. كان يتجنب باستمرار دوائر الأصدقاء في المدرسة أو الحي.. يمضي معظم أوقاته في غرفته يطل من الشرفة البعيدة على العالم البارد. يقرأ القصص الرومانسية ويتلذذ بالنهايات السعيدة والحزينة على السواء. كان حبه للأدب ثورة ذاتية عميقة على تفاهة حياة والديه وطعم بيته الجاف من جهة، وعلى ذلك الخواء الذي يسكن النفوس من جهة ثانية.. لكنه تمرد خفي ظل حبيس الأفكار الداخلية فقط.

يتذكر بين حين وآخر صورا حميمة يملأ بها خياله الفاتر، لكن خوفا أبديا عميقا يسري في تفاصيله الشاحبة ويحمله على التوقف، والاكتفاء بلحظته الراهنة التي هي مزيج من الرفض والمراوغات.

لكنه هذه المرة إنسان جديد ممتلئ بالحنين المبهم. ابتسم في خياله الرقيق وهو يتذكر وجه لبنى التي لم يعرف اسمها بعد. تذكر رسم عينيها وتفاصيلها الهادئة. استبد به شعور غامض لم يعرفه من قبل. انتقل إلى دنيا جديدة ساحرة ومبهمة في آن..

هي نفسها الصورة التي سحرت كيانه تتكرر باستمرار..

كأنها وردة نبتت في الصحراء فجأة لكنها بحاجة لمن يرويها.. هو المنقذ أم يكفيه التأمل ونسج الاستعارات؟

كانت هادئة تماما ساعتها وهي تخطو كالريح الخريفية في تلال المتوسط.. جميلة وواثقة.. وكانت أيضا كالشمس حين استدارت مخلفة وراءها خيوط الغروب.

مضت ثلاثة أيام غابت فيها منى عن الكلية. وحده نجيب جالس إلى مكتبه يضع يده تحت ذقنه ثم يمددها حين يشعر بالإعياء. يلتقط قلما ويحاول أن يكتب ولكنه يتأكد أن ذاته مشدودة إلى الفراغ وأنه يستحيل عليه في خضم هذه الحيرة التي تلف كيانه أن ينتج فكرة خلاقة من الأفكار التي يدعو إليها مرارا. وبين حين وآخر يرفع عينيه إلى مكتب منى الفارغ، فينقبض قلبه وترتجف أطرافه. ويظل يتساءل في سره:

- أين منى؟ هل ضاقت بهذا المكتب الجاف وتتعقب أية فرصة تحثها على الهروب؟ لم أعد أعرف شيئا.. ارتبكت الأوراق واختلطت الأفكار.. حقيقة لا أعرف شيئا..

وبعد صمت قصير جاء الحل:

- ربما عزيز هو الذي يعرف.

الصفحات