كتاب " أجراس الخوف " ، تأليف هشام مشبال ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتا
أنت هنا
قراءة كتاب أجراس الخوف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ولم تكمل تحذيرها، إذ على التو نطق عاطف:
- لقد ركبت الحافلة مع بعض الأصدقاء فحدث شجار بيني وبين أحد الركاب.. اصطدمت به وقلت له آسف.. فلم تعجبه الكلمة.
حولت أنيسة وجهها إلى الجهة الأخرى وخرجت من الغرفة وهي تردد:
- ولماذا لا تركب سيارتك يافقري.. هل هي حرام؟ سوف نرى ياعاطف..
ولكنه في هذه المرة ابتسم ابتسامة خفيفة لأنه عرف كيف يكذب ويخرج من الحساب من دون خسائر، وإن حز في قلبه أمران اثنان؛ أنه لم يقم برد الفعل والدفاع عن نفسه، ومن جهة ثانية صورته في خيال تلك الفتاة التي حاول أن يدافع عنها وهو غير مؤهل لذلك. إذن، ما بين نظرة عاطف لنفسه ونظرة الآخرين إليه ظل يجادل أفكاره وإن رسخ لديه بحق أن طريقا جديدة ستأخذه إلى دنيا جديدة لا خوف فيها ولا حساب.
سرح بفكره وهو يتطلع إلى غرفته التي يراها هذه المرة بعين مختلفة. شدَّ خياله الفتي الموقف الذي حصل له هذا الصباح. تذكر تلك الفتاة الهادئة وهي تحتضن كتبا متراكمة وحقيبة مربعة وأحيانا ترفع يدها إلى رأسها لتجمع الظفائر الطويلة التي انسدلت على عينيها. تذكر كلماتها القوية ونظرتها الحادة.. وتذكر أيضا اللكمة التي تلقاها فشعر بالحرج أو بالفتور قليلا. انهال على دماغه المتصدع كمٌّ من الوساوس التي لا تنتهي أبدا.
أما خارج غرفته فثمة نقاش حاد يدور بين أنيسة وكمال. تقول له:
- لقد أفسدت الولد بانشغالك الدائم عنه وعدم اهتمامك به.. الولد سيضيع منا إلى الأبد.
يجيبها وقد احمر وجهه وجحظت عيناه من فرط الغضب الذي لا يعرف كيف يسيطر عليه أحيانا:
- أنتِ التي ضيعتِ كل شيء.. ليس الولد فقط.. تذكري أنك سافرت شهرا كاملا إلى فرنسا وتركتيه مع المربية وعمره لا يتجاوز سنة.. أوقفت الرضاعة قبل الأوان خوفا على ثدييك من الترهل.. تذكري أيضا أنك كنت ترفضين الإنجاب دوما وتقولين هذه الرشاقة ينبغي الحفاظ عليها والأولاد يأكلون العمر.. وها أنت..
ثم صمت قليلا وحول وجهه ناحية النافذة وزفر بهدوء وكان ثمة سحاب من الضجر يحوم في أرجاء البيت ساعتها؛ ضجر قديم عالق بالنفوس الضائعة يقذف بها ويبدد سكونها ويعمق حيرتها. بينما انفجرت أنيسة مدوية:
- أنت ماذا.. هيا أكمل أيها الرجل.. رجل.. هههه؟.. آه.. والله لولا أني أراعي ابنك عاطف لذكرتك بتاريخك الهزيل.. الآن فقط تمتلك الشجاعة كي تسخر من جسدي.. لقد كبرت.. ترهلت بطني وتهدل صدري وانتشرت التجاعيد في وجهي..
تجهم وجهها.. وانتشر الدم في أطراف ملامحها الحادة وأردفت بصوت مجروح:
- هيا قلها، كن شجاعا وقل ما يعذبك..
وبعد صمت، ظل صدى الصراخ يتكرر فيه بتتابع، قالت أنيسة وهي تخفي آلامها العميقة:
- بالطبع ينبغي أن تلاحظ ما يحدث لجسدي بعد كل هذه السنين.. أنت تقارن بين زوجتك وبين بنات العشرين اللواتي خربن دماغك أيها التافه..
ولكن كمال الذي أيقن أنه فتح على نفسه أبواب جهنم انسحب من المعركة كعادته. أخذ حماما ساخنا شعر خلاله أن روحه تنطلق.. دعك جسده جيدا كي يحقق نشوة الارتخاء وقال في نفسه بصوت ذاب مع شلال الماء المنزلق على جسده:
- لن يمحو هذا الغضب سوى أن أنتفض من جديد..
غير أنه سرعان ما تساءل:
- ولكن ألم تنتفض روحي من قبل، فأين المفر؟ سنوات طويلة قضيتها في الصداع والحساب.. وهذا البيت البارد الذي تتردد فيه الأصوات..
خرج صوته من بين قطرات الماء بصعوبة.. متحشرجا وباردا لكن دفعة واحدة:
- من أين سيأتي الفرج ياكمال؟
وأخذ يلوم نفسه هذه المرة مقتنعا بصدق آلامه: