كتاب " نجمة " ، تأليف كاتب ياسين ، ترجمة السعيد بوطاجين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
قراءة كتاب نجمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نجمة
7
تم الاحتفال بزواج السيد إرنست في جو حميم غاية في الانضباط. حاول الناس تسلق الشجر والقيام بكل أنواع البهلوانات، ولم يستطع حضور أجواء الإفراط في الأكل والشرب.
كان السيد ريكارد يتعذب إذ فتح بيته مضطرا لكل هؤلاء المدعوين:
كل أوروبيي القرية بعائلاتهم. لم تنقص سوى الشخصيات ذات المقام الأول التي قدم ممثلوها بعدد وافر، بلا دعوة أو تفويض. لحسن الحظ أن كاهن المنطقة لم يعلم بالأمر، ولم يشعر القس بدوره. لم يقع أي صدام، على عكس الأمنية، ما بين بروتستانتية المقاول وكاثوليكية خطيبته، ولو حضر الكهنة لتشابكت السيوف.
أخذت الفضيحة منحى آخر. تحمل السيد ريكارد، في بداية الأمر، جلسة السكر بنية الصمود، غير أن المؤامرة كانت ستعصف به، فسكر بدوره عندما أدرك أنه التحدي الوحيد الذي كان سيستطيع إعلانه ببعض الأمل في الانتصار. هناك من سقاته من ركع أمامه، وزاده هذا النصر نشوة. تحول فرحه إلى عدوانية فراح يضحك فحسب. بيد أن رئيسة الصليب الأحمر تلقت عدة أنوية من التمر في صدارها فراح رضيعها المرعوب يعض البزال. نقل السيد ريكارد إلى سريره في حالة وعي، لكنه كان غير قادر على تجاوز الرعب الواهن الذي استولى عليه منذ بداية الوليمة. كان يرى بوضوح أن ألد أعدائه كانوا هنا، وأنهم يستهزئون به ويدنسون بمتعة عرين الشيخ الأعزب الموشك على الإخفاق في زواجه الثاني. بيد أنه استلذ ارتداء قميص قديم قصير جدا. وإذ أدركت سوزي أن ليلة الزفاف لن تتحقق، أفرغت بقية الشمبانيا، دون أن تدرك إن كانت تكبت الفرحة أم الغيظ أمام مرأى أوليائها.
أُرقدت في السرير الزوجي حيث ابتدأ العراك تحت الصليب المذعور، في حين انتقمت رئيسة الصليب الأحمر بإقامة الحراسة على الزوجين الصريعين وهي تلوح بصبيها الصاخب كي تغم صيحات المقاول المسعورة. إلى درجة عدم سماعهم خاتمة الترتيل الذي أنشده السيد إرنست في غمرة حب عابر ومتحمس أظهرته زوجته، إما للحفاظ على ماء الحياء، وإما لإثارة رد بروتستانتي للسيد ريكارد، ثم الانتهاء بجعله أضحوكة. لكن رئيسة الصليب الأحمر بقيت وسط الفضيحة. كفت سوزي عن التخبط، استدارت في النهاية نحو خطيبها وراحت ترجه وتعنفه دون داع، ودون أن تواجه أية مقاومة، لأن المقاول كان في غيبوبة عميقة على ما يبدو. كان عقله غائبا في حقيقة الأمر، لم يسمع الترتيل، إلا أن عينيه انفتحتا على جماعة من المدعوين يفتشون الخزانة. كانت الخادمة في المطبخ الغارق في الشمس في بداية الوليمة، وخرجت من هناك في الغسق لرد النهب، وبمجرد الإمساك بها وجرها إلى الغرفة الزوجية، أخذت زوجة قابض البريد زجاجة الروم نصف الفارغة وألصقتها بشفتيّ الخادمة، وهلل المحضر: "أية نكتة! سنفوت عليها جنتها قبل موتها". تصلبت الخادمة. وضربتها زوجة قابض البريد على لثتها فسال كل شيء دفعة واحدة. كان ثمانية رجال يشدون بقوة وثاق الخادمة، دون الحديث عن الأطفال، وفي الأخير ألقت زوجة قابض البريد الزجاجة فارغة. سقطت الخادمة ثم انتصبت وعيناها جاحظتان. كانت تلك أول لعنة وآخرها: "أنتم كفار".
قفز السيد ريكارد من سريره.
اذهبـي من هنا، اخرجي حالاً.
كانت تتمايل وسط الغرفة وقد استبد بها الغثيان وهي تردد نافثة، دون أن تبصر رب العمل، ودون أن تميز صوته: "أنتم كفار". اندس قابض البريد في أريكة، ولو لم تترأس زوجته الوليمة لتوسل إلى الخادمة، ليس لمواساتها، بل لإسكاتها. وأبصر سوزي بدورها تقفز من السرير للاستحواذ على السوط المعلق في الحائط.
توقع السيد ريكارد حركة خطيبته، أخذ السوط فأصابت الضربة الأولى عيني الخادمة التي لم تطلق سوى أنين مرارة، كأنها خشيت لو أنها صرخت لتقيأت على صحن القدوس. أصابتها الضربة الثانية في عينيها أيضا. ظلت واقفة ويداها ممددتان دون أن تنطق. الحماقة الفظة، لم يعد يفهم أن الخادمة تقدم له وجهها على الدوام، وابتدأ يشعر بقبعته الغائبة. إنه يعرف الآن، في ظل خفوت سكرته، أنه لن ينقلب على ضيوفه المتزاحمين، المحلقين حوله. دخل حينها مراد بخطوات صامتة. لم يزاحم المدعوين، وبضربة من الركبة لوى جسد المقاول، في اللحظة التي كانت سوزي تجره إلى الخلف. هاج مراد بدوره ولم يستطع التحكم في ضرباته. وإذ استعاد وعيه، كان موثقا بمتانة قرب الجسدين اللذين يبدوان حانقين إلى الأبد. راحت الخادمة تتأوه. وانتزع العريف الحبل من معصم مراد. كان المدعوون لا يزالون هناك، ملتفين حول الدائرة نفسها، كما لو لم تحصل هناك جريمة. كأن سوزي أنبئت بأنها لن تحتفظ بفستانها البهي، وبأن الحفل سينتهي بسهرة مأتمية. وود الدركي الذي سجن مراد تقبيله. كان هو الدركي نفسه الذي طلبته سوزي للقبض على لخضر في الورشة، الدركي نفسه الذي أحب سوزي وأحبته، هو نفسه الذي سجن مراد وكان يرغب في حمله على الأكتاف، هو نفسه الذي حمل تابوت السيد ريكارد، لأنه كان بروتستانتيا هو الآخر.