كتاب " نجمة " ، تأليف كاتب ياسين ، ترجمة السعيد بوطاجين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
قراءة كتاب نجمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نجمة
9
غادر العمال الثلاثة المرقد في الهزيع تاركين مسافة بينهم، تجمعوا في عرض الطريق، أشاحوا بوجوههم عن المحجر وراحوا يدوسون على التراب حيث انتثرت الأغصان العارية. كانت الريح الشمالية تدفعهم عبر العليق، إلى أن غاصوا في الضباب. ألغى غياب خط السير مفهوم الزمن، وفي الصبيحة أدركوا، دون مشقة، دوارا من حوالي عشرة أكواخ.
القرية الآن غير مرئية. مشى العمال الثلاثة باتجاه الدوار بعدما تشاوروا في الأمر. رآهم الفلاحون قادمين ودعوهم عند كبيرهم بمجرد أن لاحظوا أن القادمين الجدد حضريون. تركوهم بمفردهم أمام الخبز والتمر واللبن الرائب كي لا يخجلوا من شرههم. جاء كبيرهم لتناول القهوة معهم، وسألهم عن الرواتب في المدينة وفي القرية، عن محصول القمح والعنب والزيتون. بيد أن كبيرهم بدا غير مرتاح لرؤية الرجال الثلاثة يفكرون في التأخر بالغابة، وتحدث عن الغارات البوليسية، عن الانتخابات والانتقامات. وطمأنه رشيد. نصح كبيرهم أخيرا بحمل ربطات الحطب عن نساء الدوار المسنات اللائي سيتكفلن ببيعها في القرية وفي الجهات المجاورة، مادام أن حارس الغابات لن يقتحم المنطقة، أما بالنسبة إلى الباقي...
- هناك، غير بعيد، دار مهجورة.
- لا أدري كيف يمكن أن نقاوم، غمغم مصطفى. هل سينتهي الدوار بطردنا، كما فعل سكان القرية؟
لم يبق من الدار المهجورة سوى شقوق الجدران وروافد صغيرة عارية. وكان الغرباء، خلال الأمسية كلها، ينقلون الحشفة والتبن.
- لا تشعلوا النار، أوصى كبيرهم.
كان لخضر متذمرا ورأسه مدسوس في التبن.
النجوم تعج.
البرد شديد.
وكان مصطفى يدندن لمقاومة البرد من جهة، ومن أجل النوم من جهة ثانية. وكانت النجوم تعج.
راحوا ينحدرون مع الممرات السيئة للغابة عند مطلع الشمس، ولا أحد يكلم الآخر.
إنها لحظة الفراق.
لم يعد أي منهم يكلم الآخر.
كان سي مراد هناك. بإمكانهم إتباع الجهات الأصلية. بإمكان كل واحد منهم أن يأخذ اتجاها معينا.
لكن مراد ليس هنا. فكروا في مراد.
- أعطاني الملتحي مالا، حسم لخضر بجرأة. لنتقاسمه.
- أذهب إلى قسنطينة، قال رشيد.
- هيا، قال لخضر، سأرافقك إلى عنابة. مصطفى، وأنت؟
- أسلك طريقا آخر.
وتبدد الظلان في الطريق.