أنت هنا

قراءة كتاب الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي

الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي

كتاب " الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي " ، تأليف د. شاكر شاهين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 3

المقدمة

عندما قرر الفتى الراعي في رواية الخيميائي لباولو كويلو الرحيل عن بلدته باتجاه تحقيق حلمه في البحث عن الكنـز تحت أرض الأهرامات في مصر بناء على الحلم الذي راوده مرتين، مرّ في طريق رحلته الطويلة بعجوز قال له ناصحاً أن يتبع الإشارات. فهي التي ستوصله أخيراً الى تحقيق أسطورته الشخصية. واكتشف في نهاية الرحلة وبعد مشاق طويلة، إن الكنـز الذي يبحث عنه لا ينحصر في صندوق الجواهر والقطع الذهبية التي وجدها لاحقاً في الموطن الذي خرج منه، بل في ذاته هو، في اجتياز الحياة، والحصول على المعرفة، معرفة الكون والإنسان، واحتضان روح العالم، وإن السعادة ليست سهلة أبداً، والأهم من ذلك كله العثور على الحب.

قال له العجوز: "حيث يكون كنـزك يكون هناك قلبك". من ثم لدى عثوره على الحبيبة في جوف الصحراء قرب الواحات فطن الى إن الكنـز الحقيقي هي تلك الفتاة البدوية التي أخذت بشغافه. لقد احتاج الى شهور عدة ليصل الى "تأويل" تلك العلامات التي ترابطت جميعها لتشكل "معنى" الكنـز الذي رآه في منامه.

فروح العالم الذي استخدمه كويلو والذي يعود أصلاً لهيجل، ساقت الراعي الى متاهة معرفية استمتع بها واحتاج خلالها الى "أدلاّء" لإرشاده الى بغيته[1]. هناك "علاقات غياب" كما يسميها سعيد الغانمي هي التي تؤدي بعد تأويلها الى تحقيق الحلم.

في الطبيعة والمجتمع نشاهد ونعرف ونحلل لكن قلما نتجه الى التأويل ومعرفة باطن "علاقات الغياب" المندسة بين ما نشاهده ونسمعه ونحس به. الكون كله عبارة عن علامات منها ما هو جزء من الطبيعة، وآخر من صنع الفاعلين الاجتماعيين.

تخضع العلامة لطبيعة التفكير السائد في كل مجتمع. فإذا حدثت ظاهرة مثل الخسوف أو الكسوف يراها الإنسان الغربـي علامة طبيعية مثيرة ناتجة عن أسباب كونية تخضع بدورها الى قوانين حتمية. العربـي المسلم يراها غير ذلك، فهي علامة تؤوّل بالغضب الإلهي لما اكتسب البشر من آثام، أو هي علامة من علامات الساعة وظهور المصلح الأخير، أو هي نتيجة غضب الله على "أمّة محمد" التي قتلت الحسين. فالعربـي ينتج معنى تأويلي بينما الغربـي ينتج معنى تحليلي. وأي عارض يشاهده الإنسان العربـي لابد وان ينسبه الى الغيب وما وراء الطبيعة للحصول على الاطمئنان، وللتهرب من متاعب التحليل العلمي.

استغل الطغاة مثل هذا المنطق التأويلي لتبرير طغيانهم. فالخليفة والرئيس هو جزء من الطبيعة الكونية المقدرة من الله[2]، ولا مهرب من القدر المكتوب. يصل الإنسان الى قناعة كافية بان المستبد لن يُزاح من عرشه إلا بفعل قوة خارقة[3]. بما أن قدرته من قدرة الله فان هناك علامات signs يستعملها المستبد كأدوات لتحيط عقول رعاياه باليأس من تغييره كما سنبحث.

القضية التي يطرحها الكتاب الحالي هي في كيفية استعمال الحاكم للاستبداد الرمزي الذي ينشط بفاعلية غير مرئية لتقييد معارضيه وأسر شعبه. الحاكم يستبد على شعبه من حيث لا يشعرون. ثم في مرحلة لاحقة كيف يتحول هذا الاستبداد الرمزي من الحاكم الى المجتمع ومن شكله السياسي الى الديني- بعد حلول النظام الجديد في العراق تحديداً -.

المفهوم التقليدي للاستبداد يطرح معنى انفراد شخص ما بالسلطة وطغيانه على من هم دونه في امتلاك القوة وانتهاكه للقوانين. فهو استبداد واقعي مرئي يعيه الفرد والمجتمع بوضوح. الاستبداد الرمزي كما نود طرحه هنا يستثمر العلامات بكافة أشكالها والتي لا تقتصر على الصور واللافتات بل تتعداها الى النظم والأنساق الاجتماعية والشخصيات والأحداث وكل ما من شأنه ان يؤوّل لغرض إنتاج المعنى في المجتمع. كما لا تنحصر في الإنسان الفرد- كالحاكم أو المسئول الإداري- بل تتعداه الى استبداد جماعة على أخرى، واستبداد المجتمع على الفرد والجماعة.

في الاستبداد الرمزي تصبح العلاقة معكوسة، حيث تنقلب الأدوار والمراكز وتتولى الجماعات ككيان اجتماعي مقاليد السلطة وتحوّلها الى تسلط ينأى عن استعمال القوة المادية ويطوي بداخله سلطان الرمز كأداة للهيمنة.

وقد انتبهت العلوم الاجتماعية أخيراً الى أهمية الاستعانة بحقل السيميائيات وتوظيفها بالشكل الذي لا يتقاطع بل ينسجم ومخرجات النظرية الاجتماعية. وربما كانت الدراسة التي تقدم بها الدكتور محسن بوعزيزي بعنوان: السميولوجيا الاجتماعية، والتي اتخذت من المدينة التونسية أرضاً للبحث، باكورة ما أٌنجز على المستوى العربـي في مثل هذا المجال الخصب من المعرفة.

في هذا الكتاب لم نتطرق الى تفاصيل مملّة في شرح العلامة وكيفية عملها، لأن ما كتب عن ذلك يفوق الحصر ولم نجد حاجة ملحة لتكرار ما كتبه الآخرون. وأود أن الفت نظر القارئ وخصوصا الباحثين الاجتماعيين بان الكتابة عن الموضوع جاءت من خلال ملاحظة مباشرة ومقصودة للعلامات المنتشرة في بغداد وسائر المدن العراقية متأثرة بموجة الحماسة الدينية بعد سقوط نظام البعث، وعززتها بما اختزنته ذاكرتي من العلامات السياسية في ذلك العهد. وفي مراحل متقدمة من الكتابة وجدت أن الموضوع يستحق أن أضيف إليه فصولا عن تأويل بعض أفكار ابن خلدون وفصول أخرى تتحدث التاريخ والمجتمع العربـي لتأييد ما وصلنا إليه حول الأثر السيميائي على الفرد والمجتمع.

يتعين في الختام ان أعبّر عن شكري الجزيل للصديق والاستاذ الفاضل سعد سلوم والأب أمير ججو والاستاذ وليم وردة الذين ساعدوني في البحث عن بعض مؤشرات الاستبداد الرمزي الذي يمارس على المسيحيين.

الصفحات