كتاب " الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي " ، تأليف د. شاكر شاهين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف.
أنت هنا
قراءة كتاب الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الاستبداد الرمزي : الدين والدولة في التأويل السيميائي
بورديو والسلطة الرمزية
يعود الفضل الى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في مسكوكته حول السلطة الرمزية التي لم يكشف بها عن تناقضات المجتمع الفرنسي/الغربـي وحسب، وإنما التناقضات الكامنة في أي ثقافة لكون الإنسان قادر على إنتاج الرمز في أي مجتمع كان. والمجتمع الذي تتعدد فيه مصادر إنتاج الرموز بتعدد مكوناته يكون في حالة صراع خفي قد يظهر الى السطح في حالة ضغط واكراهات شديدة مثلما حصل في العراق بعد 2003 وفي مصر بعد ثورة 25 يوليو 2011.
يعتقد دايل بان الرموز معاني تعبيرية متبلورة ومحكمة تتطابق في جوهرها مع العالم الداخلي الكثيف والنوعي، مقابل العالم الخارجي الواسع والكمي، كما يرى علماء النفس بان الرمز يوجد غالباً في العقل ومن ثم يُسقط الى الخارج نحو الطبيعة (J. E. Cirlot: Dictionary of symbols, xxix , xxxi). قوة الرمز تكمن في قدرته على التخفي وإصراره على لعب دور الحصان الأسود (يسميه فروم باللغة المنسية)، ولا يبرز قوته إلا في أحيان الأزمة والفتن العاصفة.
ويرى لاسويل وكابلان بان الرموز التي توظف لخدمة اليوتوبيا ربما توظف لخدمة الايدلوجيا كما يحدث عادة في الثورات الناجحة. وتبقى الرموز المثالية محتفظة بقوتها حتى مع التشعبات أو الانحرافات الناتجة من واقع السلطة (Lasswell.H & Kaplan.A: power and society, 123).
لا يعني ذلك ان الرموز سيئة مطلقاً، بل ان كثيراً من الرموز التي ننتجها ونحتاجها يوميا تخدم مصالحنا حتى في الأزمات الشديدة. غير أنها تتباين في درجة ظهورها ومدى قوتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع والدولة. مثال ذلك حادثة تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء شباط 2006.
يمثل المرقدان وما عليهما من قبة تعد هي الأكبر في العالم الإسلامي رمزاً دينياً مقدساً لدى المسلمين في العراق شيعة وسنة. لكنه يمثل قيمة مقدسة عليا لدى الشيعة لما يفهمونه من عصمة الإمام. فالقبة الذهبية رمز لوجود واستمرار الإمام المعصوم. مشاهدتها عن بعد تشخّص لدى الزائر رؤية روحية عرفانية للإمام الراقد في الضريح. وأي مساس بهذا المكان خاصة بالشكل التآمري الإجرامي الذي حصل يعد مساساً وقتلاً للإمام[5]. وهذا ما حصل غداة الانفجار المأساوي الذي أدى الى نحر الوحدة الاجتماعية وانقسم أهل العراق- باستثناء كردستان- الى جماعتين متناحرتين أخذتا بتناوش أساليب مروعة في القتل والتهجير لأكثر من عامين في دوامة من العنف الطائفي شاءت الأقدار الحيلولة دون تحوله الى حرب أهلية لو أتيح لها لأكلت أبنائها مثل وباء الطاعون[6]. الرمز دائما يمارس التقية ويخفي باطنه وقدرته التأثيرية ولا يفصح عنها إلا في أزمنة حاسمة.