كتاب " مدار الكتابة " ، تأليف محمد بن ابراهيم الدبيسي ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب مدار الكتابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مدخل
تسعى هذه المقاربةُ النقديةُ إلى استجلاء أثر المكان/المدينة المنورة، في التجربة الشعرية لبعض شعراء المدينة المنورة في الحقبة من منتصف القرن الثاني عشر الهجري، إلى القرن الحالي (الخامس عشر). وهي الحقبة التاريخية المتصلة بحكم امتدادها الزمني، ووحدة المنظومة الاجتماعية والثقافية في هذا المكان، وانتماء الشعراء إليه؛ الأمر الذي يبرز العلاقة العضوية بين التجربة الشعرية والمكان، نظراً لتأثر وارتباط التعبير الأدبـي ببيئته الاجتماعية والثقافية، وأحوالها وقيمها المختلفة.
كما ترومُ الوقوف على انعكاسات المكان على الخطاب الشعري، وأثر الواقع الثقافي والأدبـي في هذا الخطاب، عبر مراحل تاريخية جاوزت ثلاثة قرون؛ شهدت عهود سياسية متعددة؛ فكان استثمار المكان فيها متأثراً بالواقع السياسي وظروفه، كما استجابت تلك الحقبة لمتغيرات حياتية واجتماعية وثقافية، ألقت بظلالها على التجربة الشعرية.
وقد عمدتُ إلى انتقاء نماذجَ نصيَّة لشعراء من اتجاهات متنوعة، وأجيال متعددة، كان القاسم المشترك بينهم: المكان/المدينة المنورة، كمكوِّن حقيقي، وروحي وجمالي في الخطاب الشعري، وكحاضن للرؤية الشعرية ومؤثر فيها. وتحاول المقاربة كذلك، استجلاء البنى والعلامات الدلالية المشتركة والمتمايزة للخطاب الشعري، المتعالق مع المكان والمستجيب لتأثيراته، عبر تلك العهود التي توافق دارسو الأدب على اختيارها تصنيفاً وصفياً في دراساتهم لأدب الحجاز، وهي: (العهد العثماني، والعهد الهاشمي، والعهد السعودي)، حيث كان للواقع السياسي والاجتماعي في كلِّ منها الأثر الواضح في القيم المعرفية المفصلية، وفي مسيرة الثقافة السائدة، وكذلك في التجربة الشعرية.
ومن ثمَّ فقد حاولتُ استجلاء أثر المكان، والوقوف على سمات التَّمايز بين التجارب والنصوص الشعرية في التعاطي معه، وفي استثمار الموروث الثقافي والمكونات التاريخية والجمالية له، في تلك التجارب والنصوص.
ولا تزعمُ هذه المقاربة استيعابها لكل ذلك الميراث الشعري وتمثُّلاته النصية، وتياراته ومؤثراته الثقافية، بقدر ما تطمح إلى أن تكونَ محاولة في إطار جهود بحثية حثيثة تسعى إلى ذلك وتروم تحقيقه.