أنت هنا

قراءة كتاب مدار الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدار الكتابة

مدار الكتابة

كتاب " مدار الكتابة " ، تأليف محمد بن ابراهيم الدبيسي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 7

والمكانُ الذي تتوخى هذه المقاربة النقدية تحديده إطاراً لها، هو (المدينة المنورة)، بكل ما يؤصِّله وجودها من دلالات وحقائق ومعان وإيحاءات. فهي المكان الـمُشرع لتأمِّل البصيرة الإنسانية منذ القدم. وهي أيضاً المكان الحقيقي المرتبط بالتاريخ والدين والثقافة.

انطلاقاً مما احتواه من شرف وأفضلية على سائر الأمكنة، وبما ورد في القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة عبر عدة نصوص تشير إلى القيمة الحضارية والمستوى الرفيع الذي تبوأته هذه المدينة الطاهرة منذ مسَّتها أقدامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم، وتأسَّست فيها دولة الإسلام، وشكَّل التاريخ الإسلامي انطلاقاً منها صفحاته الناصعة وصنائعه المبهرة، لتشع الحضارة وتنطلق إلى آفاق الأرض من هذه المدينة[4].

أما الشعراءُ الذين تقارب هذه الدراسة أنماط التشكيل المكاني في تجاربهم ونصوصهم الشعرية، فهم شعراء المدينة المنورة منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، إلى القرن الهجري الحالي (الخامس عشر).

إذ تشكَّل المكانُ في نصوص الشعراء في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، والنصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، من خلال أبرز ملامح التجديد الأدبـي في الحجاز، بحسب عبد الرحيم أبو بكر وغيره من الباحثين[5]، الذين وجدوا تطوراً فنياً وأصالةً إبداعيةً، في شعر السيد جعفر البيتي المتوفى سنة 1182ه، وعمر عبد السلام الداغستاني المتوفى سنة 1201ه، ومحمد أمين الزللي المتوفى سنة 1237ه، وعبدالجليل براده المتوفى سنة1327ه، وإبراهيم الأسكوبـي المتوفى سنة 1331ه، ومحمد سعيد الدفتردار المتوفى سنة 1392ه، وغيرهم، إبان الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي في العهد العثماني، الذي يجسد أكثر العصور تخلفاً وتراجعاً في نظر جلِّ الباحثين؛[6]إذ «من المؤكد أنَّ الأدب العربـي بلغ في العهد العثماني درجة سحيقة من التدهور، وتظل تلك الحقبة تتصف بغياب الإبداع والافتقار إلى الحيوية»[7].

وبالرغم من التطور والتجديد النِّسبيين اللذين حفلت بهما تجارب هؤلاء الشعراء، وهو ما يشاكلُ الصورةَ النمطيةَ للشعر العربـي الكلاسيكي، فإنَّ المدينة المنورة كمكوِّن ثقافي وشعري جاء خلفيةً تاريخيةً محضة في نصوصهم الشعرية، ولم يستثمر هؤلاء الشعراء غناها الجمالي وثراءها الثقافي في إنتاجهم بصوره معمَّقة تستوحي قيم المكان الجمالية.

ولم يتجاوز هؤلاء الشعراء واقعهم، استشرافاً لمكانتها الحضارية أو استثماراً لمكوناتها الثقافية والتاريخية والجمالية؛ خلال مائة عام (منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، وحتى النصف الأول من القرن الثالث عشر).

ويمكننا القول بأنَّ جلَّ الشعر في هذه المرحلة، قد عُني بالمكان بشكل مباشر، وبرزت الملامح التسجيلية والأبعاد التصويرية التقليدية للمكان، كما برزت الصورة الشمولية النمطية له، من خلال شعر المناسبات والإخوانيات، والوصف، والتأمل، والمديح، والأغراض التقليدية الأخرى في الشعر العربـي، وبعض النصوص ذات الاتجاه السياسي، والإصلاحي. «ولم تكن البيئة الثقافية والفكرية في الحجاز خلال العهد العثماني الطويل، وبخاصة في العهد الأول منه، لتسمح بظهور نشاط أدبـي ممتاز، يفرض وجوده واتجاهاته، وذلك لأنَّ البيئة كانت محرومة من العوامل القوية المساعدة على استئناف النهوض والتقدم، وإذاعة روحهما بين جيل هذا العهد بقوة، ولهذا كاد الشعر في هذا العهد المظلم يجود بأنفاسه؛ لولا جهود بعض الشعراء الذين حافظوا بإنتاجهم على وجود هذا الفن، ترفدهم في ذلك بعض الوسائل أو الوسائط الثقافية المحدودة التي أتيحت لهم»[8].

الصفحات