أنت هنا

قراءة كتاب مدار الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدار الكتابة

مدار الكتابة

كتاب " مدار الكتابة " ، تأليف محمد بن ابراهيم الدبيسي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 8

المكانُ/المدينةُ المنورةُ..عند شعراءِ القرنينِ الثاني عشر، والثالث عشر الهجريين

في هذه الفترة المحددة بالقرن الثاني عشر الهجري، يرى عبد الرحيم أبو بكر أنها أدَّت بالشعراء إلى استثمار قدراتهم الذاتية وما يُتاح لهم من فرص القراءة والاطلاع.

وهو ما لا يتوافقُ مع حالة عدم الاهتمام بالشأن الثقافي والأدبـي، التي فرضتها الإدارة السياسية العثمانية على المدينة المنورة، مما يعني توافر البواعث الذاتية لكتابة الشعر تحديداً لبعض شعراء تلك الفترة، ويجعل تجاوزهم لأزمة واقعهم الحياتي إشارة رامزة للتوق إلى التعبير الشعري ومناهضة الظلم، وعدم مهادنة السلطة أو ممالأتها.

وهي دلالةٌ ثقافيةٌ تأخذ شكلها المعبِّر عن رمزية المكان؛ كدافع لتلك الحماسة الثقافية التي عبرَّ عنها الأدباء شعراً من خلال نصوص شعرية تعكس نوعية تجاربهم وموقفهم السياسي، ولا تتوقف عند حدود التعبير الفني فقط، بفضل الباعث الذاتي الكامن في النفس، ومكونات المكان الثقافية بشكل عام، ومقدراته؛ وهو ماكان بمعزل عن اهتمام العثمانيين، الذين لم يكن يشغلهم الشأن الثقافي بوصفه تعبيراً عن قيم اللغة العربية وفنونها ونظامها المعرفي.

وإنما شغلَهم دعم ركائز حكمهم السياسي، وتوطيد ولاء الحجاز لهم، وما يستدعيه ذلك من قمع الأصوات المعارضة، أو الهمم المنافحة عن وجودها واستقلالها، التي اتخذ بعضها التعبير الشعري أداة لتلك المعارضة.

وقد شهدت بيئة المدينة المنورة الأدبية في حقبة القرن الثاني عشر الهجري حركة شعرية حاولت أن ترتفع إلى أفق الأحداث التي عاشها المجتمع في تلك الفترة.

«ولا شك أنَّ ما تنطقُ به نصوص هذا الشعر من استبطان لبعض نوازع النفس الإنسانية، ونقدٍ لواقع أليم يعيشه الفرد في ذلك المجتمع، وإبرازٍ لأخطاء قاتلة وقع فيها من وضعت فيهم ثقتها وحملتهم أمانتها، ولذلك اتَّخذ شعراء هذه الحقبة التصوير أداة لتجسيد الوضع السيئ التي أضحت عليه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم »[9].

على أنَّ استثمار المكان في نتاج هؤلاء الشعراء في تلك الفترة التي حددناها وهي (المائة عام)، كان انعكاساً للواقع السياسي والثقافي آنذاك، بمعنى تواري المكان بوصفه مكوِّنا حضارياً وجمالياً ثراً، لم يتفاعل أولئك الشعراء مع أهميته تلك، بالقدر المعبِّر عن مقوماته ومميزاته الثرَّة، ليظهر هذا المكان شعرياً كمشهد لمجريات الواقع السياسي وتداعياتها في نصوص أولئك الشعراء[10].

وإذا كان عاصم حمدان يرى «أنَّ شعراء تلك الفترة استعادوا تاريخ المدينة الماضي، في محاولة ذكية لمقارنته بالوضع المأساوي التي تعيشه في الحقبة العثمانية»[11]، فإنَّ هذه الاستعادة تتفق مع ما ذكرناه من استمرار تأثير الواقع السياسي على الحركة الأدبية بالمدينة خلال الفترة التي أشرنا إليها.

أما الشعراء الذين يعوِّل عليهم عبد الرحيم أبو بكر في تمثيل النهضة الأدبية في الحجاز في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، فإنَّ جُلَّهم من شعراء المدينة المنورة، وهم كما يراهم «يمثلون إرهاصات النهضة ومطالع التطور الأدبـي في الحجاز الحديث. وقد استطاعوا أن يمثِّلوا مرحلة الانتقال إلى النهضة بفنهم الشعري»[12].

وقد ظلَّ الواقعُ السياسيُ إبان ذلك يلحُّ على شعراء المدينة المنورة، وكان تبرمهم من الهيمنة العثمانية على المدينة واضحاً في شعرهم بشكل عام، يعبِّر عنه واحد من أبرز شعرائها، وهو إبراهيم الأسكوبـي الذي ذاع صيته عبر قصيدته الشهيرة التي ناوأ فيها (آل عثمان) وعبَّر فيها عن واقع مرير، ودفع ثمنها من حريته حيث أُعتقل وأُرسل إلى الأستانة[13].

الصفحات