كتاب " مقاصد الشريعة عند الشاطبي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربي الإسلامي " ، تأليف نورة بوحناش ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب مقاصد الشريعة عند الشاطبي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربي الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقاصد الشريعة عند الشاطبي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربي الإسلامي
على الرغم من مقدار التداخل بين علم أصول الفقه وعلم الأخلاق فإن هذا المقدار يزداد وضوحا عندما تؤسس المنهجية الأصولية منطقها التعليلي في موافقات الشاطبـي حول دلالة المقصد جاعلة من التعليل نيلا للمصلحة ومن ثم تمكن من غرضية قاعدتها وجوب تحصيل الصلاح في الممارسة الشرعية وتمكن لسؤال النظام الصالح والإنسان الصالح كما بينت جدليتها الشريعة الإسلامية في حد ذاتها هنا يتم إختبار الصلة بين المقصد والمصلحة وأثر هذه الصلة في ترشيد السلوك الإنساني والسؤال عن سيرورة هذا الترشيد ومآلاته ثم كيف ينـزلق نحو بنية النسق الأخلاقي.
تبدو المنهجية الشاطبية كما أسست قواعدها الحاكمة في الموافقات في علم الشريعة أنسب أنموذج لدليل تماهي النسق الأصولي الفقهي والنسق الأخلاقي وتشكلهما وفق غائية تمكن لأفضلية الإنسان وعلاقته بالمثل العليا، وإجلاء لمثل هذه الغائية سار التعليل المقصدي في الموافقات نحو بيان المسلك الذي يجب أن يسير فيه مثل هذا التعليل إنه إستقامة في نيل ممارسة الفقه وآدابه الشرعية وهنا تستجمع الموافقات طاقتها المنهجية لتبين عن الموضوع المركزي لعلم أصول الفقه ليكون هو العمل وتمكن له بإحاطة منهجية تسير في تناسب نحو وجوب التقنين للعمل، واعتباراً لتميز المنهجية الشاطبية في إدراكها لموضوع التأصيل ووسائل التأصيل تعمد هذه المقاربة التي تتبنى الدفاع عن تماهي المقاصد والأخلاق في إطار توجه تأصيل الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي إلى منهج الاستقراء المعنوي الذي دافع عنه الشاطبـي لتسأله سؤال المنهجية الأخلاقية ولتكشف عن ذلك المدى الذي يوفره الاستقراء بوصفه آلة العلم في مدار تأليف منطق الأخلاقية داخل مقاصد الشريعة؟.
لا ريب أن الموازنة التي يفترضها حقل التدليل الأصولي في موافقات الشاطبـي من مثل دلالة المقصد وكذا دلالة المصلحة والعلاقة التعليلية الدائرة بينهما تحت وسم الغائية والحكمة تحمل مباشرة إلى تأسيس الأخلاقية فتكون المقاصد إشارة حقيقية لممارسة علمية تؤكد أن علم الأخلاق العربـي الإسلامي يبدأ من التصور المقصدي وأنه المسار الصحيح لسؤال الفعل وهو يبحث عن معايير داخل إطار التاريخية العربية الإسلامية، وهو الأمر الذي يغري بالمضيّ في تحليل النسق المعرفي لبنية الموافقات خاصة الجزء الثاني منه والعقل مأخوذ بسؤال الكشف عن عناصر النظرية الأخلاقية من خلال التراتب المقصدي للموافقات؟
هكذا يقدم مفهوم المقصد اللبنة القاعدية لتثبيت العلاقات المفهومية والمضمونية بين المقاصد بما أنها هي القيم من جهة والأخلاق كطرح معرفي، إذ تحيل دلالة المقصد بقوة إلى تأسيس ذاتها داخل حقل الأخلاقية بما تتضمنه من وعي الغرضية وأداء فعل الوعي الذي ينطلق من تجربة عميقة تعتمد النية والعزم وهو ما يعني الإرادة لأجل العمل، وهو العمل الذي لا يذهب سدى بما يقصد إليه من مقاصد ذات جدوى في تنظيم الفعل من هنا يتخذ سؤال الأخلاق قوته داخل نسق المقاصد الشرعية ويتحول إلى أداء بنية التصورات الأخلاقية كما أسسها النسق المعرفي لموافقات الشاطبـي.
كان تعمق دلالة المقاصد وبيان التناسب التراتبـي بين أقسامها سبيلا واضحا لقراءة وتأويل فكر الشاطبـي في إطار الفكر الأخلاقي العربـي الإسلامي، خاصة أن أبا إسحاق قد مكن لمثل هذا التوجه عندما قسّم المقاصد إلى مقاصد الشارع ومقاصد المكلف وهي الثنائية الجامعة بين نظام القيم والأنا الفاعل بهذه القيم في التفكير الأخلاقي بوجه عام، والحق أن مثل هذا التوجه يدفع إلى السؤال عن غاية الاجتهاد عند الشاطبـي وإذا ما كانت مثل هذه الغاية يسيرها إلى جانب إصلاح منظومة التشريع الإسلامية إعادة التصور الصحيح للإسلام وإحياء الدين القويم الجامع بين الفقه والأخلاق تحت توجيه مكارم الأخلاق؟.
إن تجهيز دلالة المقاصد نحو تأسيس النظرية الأخلاقية المبررة بالصلاح الإنساني في إطار الاجتهاد المطلق الآخذ بكلية الوسائل المعينة على ذلك، قد طالب بالمرجعية الكلامية لخطاب المقاصد ما دام كل نظام أخلاقي لا يتمكن من المشروعية القيمية إلا في إطار الرؤية الميتافيزيقية المرجحة لمعقولية كل خطاب أخلاقي، ويبدو سؤال المرجعية الميتافيزيقية سؤالا مرهقا بالنظر إلى دلالة الموافقات التي تؤشر إلى النقد وإعادة التأسيس للمواقف انطلاقا من منطق لا يركن إلى موقف مميز بالانتماء الكلامي دفاعا عن الإسلام ضد البدعة وبالنظر أيضا إلى مرجعية فقهية مالكية تمتنع عن كل كلام إلا كلام تحته عمل وهو ما يؤول إلى ضرورة التخلي عن كل مهاترة كلامية تتجاوز الفعل لتسأل عن طبيعة الفعل وكذا بالنظر إلى ثقافة أندلسية عريقة في نقد الخطاب الكلامي واختراقها واستبدالها للدين الفاسد وهو دين البدعة بالدين الصحيح وهو دين السلف الصالح، لا ريب أن هذه النظرات تعين تباشير الموقف الكلامي الذي سيركن إليه الشاطبـي فيما يخص مرجعية تتوازن إلى حد بعيد مع إعادة الكشف عن أتون الإسلام الصحيح الجامع في الممارسة العملية بين الأخلاق والدين وهي أتون اعتمدت التعقل والتفكر والاعتبار وهو ما يدفع إلى السؤال إذا ما كان الشاطبـي قد أشار إلى مرجعية ذات توجه مميز يعين على التكليف السليم وموجها إياه نحو غرضية الصلاح في الحال والمآل؟.