"المرآة والتخييل: مقاربات في المسرح العربي" كتاب للناقد والروائي العراقي عواد علي، صدر عن دار نينوى للنشر والتوزيع، يتألف من فصلين، خصص الأول لقراءات نقدية في عروض مسرحية عربية من الأردن والعراق والجزائر وسوريا ومصر للمخرجين: جواد الأسدي، خالد الطريفي، نبيل
أنت هنا
قراءة كتاب المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي
الصفحة رقم: 7
القراءة التي أرجّحها، فإننا نجد أنفسنا متعاطفين مع تنكر الأم لابنها، ومستسيغين سلوكها وموقفها منه، فهو هنا ليس العصفور الذي حملته الشجرة المقطوعة بفأس الحطاب، كما يحاول أن يشبّه نفسه لتليين قلب أمه واستمالتها إليه، وهو يتساءل: "أنَخْنقُ العصفور لأنه سيكشف عن بشاعة الحطاب أم نقتله لأنه يفضح سكوت الشجرة عن قطعها؟"، بل هو الدمار الذي زرعه المغتصب ـ المحتل في الوطن، والتركة المشؤومة التي خلفها المارينز وراءهم لأرض كان شعبها يحلم بالحرية والانعتاق. ولكم كانت رؤية المخرج أحمد حسن موسى لماحةً وذكيةً حينما رسم شخصية الابن (التي أداها رائد محسن أداءً مبدعاً) على النحو الذي ظهرت فيه، شخصيةً مشوهة الخلق، في ظهرها حدبة، تمثل كينونةً استعاريةً، وعلامةً حبلى بمدلولات وصور للاغتصاب الجمعي بدلالته الرمزية، ليذكرنا بالمخلوقات القزمة ذات الآذان المدببة والرؤوس الفرائية والأيدي الحرشفية التي خرجت من صندوق باندورا (هبة الإله الغيور زيوس للبشر في الأسطورة اليونانية) زاحفةً على الأرض لتنشر البؤس والبشاعة، وتغرس الخصام بين أهلها.
لقد حاول فلاح شاكر في "العرس الوحشي" إنتاج خطاب مسرحي موازْ للخطاب السردي الذي انتجه يان كفلك، فرغم علاقة التناص، على مستوى الحدث في إطاره العام، بين المسرحية والرواية، فإن الأولى تنسج عالمها بخيوط درامية تحمل خصوصيةً تمثل نهج فلاح شاكر في خلق دراما مسرحية ذات نكهة متفردة من حيث بناء الفعل المتوتر والصراع المتأجج بين الرغبات والهواجس والعواطف الإنسانية العميقة المتناقضة حيناً والمتقاربة حيناً آخر، وكأن أطرافها في مباراة كونية، يتصارعون للسيطرة على منصة الحضور الكوني، فها هنا يتمظهر التوتر بين الأم وابنها حاداً، ساخناً، يدفع العاطفة إلى التأجج بالحيرة، والعقل إلى نسيان مغامرة المنطق، فلا يبدأ أحدهما حتى يبدأ الثاني، يضاهيه في السيطرة على بنية النص، لكن الأم تبقى لها سطوة الحضور، في ذلك التجاذب الساخن بين المريض والممرضة، بين المحب الهائم والمحبوبة الساخرة.
كما في جميع تجارب فلاح شاكر المسرحية يتسم الحوار في هذه التجربة بأسلوبه الشاعري، وغنائيته العالية المتناغمة مع توتره ودراميته وحسه الوجداني والفلسفي:
الأم: الشجرة ماتت أوراقها.. غادرها ربيع الحلم.. إذا قُتـًلَ حلم البيت داخل المرأة فإنها ستكون مستباحة.. وحينئذ العالم كلّه حتى السموات لا يمكن أن تكون بيتاً صالحاً لها..
الابن: وهم بيت
الأم: الموتى لا يؤمنون بالوهم..".