أنت هنا

قراءة كتاب المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي

المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي

"المرآة والتخييل: مقاربات في المسرح العربي" كتاب للناقد والروائي العراقي عواد علي، صدر عن دار نينوى للنشر والتوزيع، يتألف من فصلين، خصص الأول لقراءات نقدية في عروض مسرحية عربية من الأردن والعراق والجزائر وسوريا ومصر للمخرجين: جواد الأسدي، خالد الطريفي، نبيل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
3- وفي سياق هذه الرؤية الإخراجية أيضاً حذف المخرج حوارات للأم، في نص المؤلف، تكشف، صراحةً، أنها كانت على علاقة عاطفية مع أحد جنود المارينز الذين اغتصبوها، ومنها الحوار الآتي الذي تتخيل من خلاله أنها تخاطب ذلك الجندي:
 
الأم: نعم أعرف أنك ستعود العام القادم.. خدمتك العسكرية ستنتهي وتعود إلى أمريكا.. وأنا؟ سأذهب.. لًمَ لا آتي معك.. إلى مشيغان.. سأعيش في مزرعتك الرائعة.. من ذا يستطيع أن يصبّرني عاماً على فراق أنفاسي؟ وأنا أخاف أن أقتل.. لأني أحبك..
 
وحين تسترجع حادثة الاغتصاب الجماعي التي خطط لها حبيبها تصرخ نادبةً:
 
الأم: ويل.. لا.. لا.. ويل كذبت عليّ.. لا يا ويل لن تجعلني مومساً.. لازلت صغيرةً.. ليس ثلاثتكم.. ليس ثلاثتكم.
 
وفي الوقت الذي تكشف فيه هذه الحوارات، في نص المؤلف، عن المنحى الدرامي- الإنساني (غير المثالي) لشخصية الأم، كما أسلفت، وتؤكد، ربما، على امتثال المؤلف لأجزاء من معطيات الرواية التي استوحى منها مسرحيته، ومن ثم لرؤية يان كفلك، فإن حذفها في نص العرض يؤكد بالمقابل على امتلاك المخرج رؤيةً مغايرةً تماماً لرؤية المؤلف، وهي رؤية تسم بطلة المسرحية، في بعدها الرمزي، بالنقاء الوطني، والكمال المطلق الذي لا يشوبه أي سلوك سلبي، والعذراء الطاهرة المغتصبة. ويذكّرنا هذا التباين بين رؤيتي المؤلف والمخرج بتباين بريخت وبعض المؤلفين الفرنسيين في تصوير شخصية "جان دارك"، فقد وسمها الأول بـ "قديسة المسالخ"، ولم يكن شعوره تجاهها طرياً للغاية، في حين صورها الثاني بطلةً خالصةً من دون منازع، بل أقرب ما تكون إلى نبية، ورعة، شفافة، عذراء طاهرة.
 
4- تنتهي أحداث المسرحية، في نص المؤلف، بانهيار الجزء الذي تقف عليه الأم من العبارة (الفضاء الدرامي المتخيل)، وسقوطها في النهر مع سماع أصوات رصاص. وحين يحاول الابن الامساك بها لانقاذها يسقط معها في الماء، وهو يردد بأعلى صوته "أماه.. أماه"، ثم يختلط صوته بالنشيد الوطني الأميركي. وترشح عن هذه النهاية التراجيدية الرمزية مدلولات عديدة تتعلق بموت طرفي المعادلة في عملية الاغتصاب (=الاحتلال) بفعل حتمي لا اختياري، وهي من دون شك نهاية تتناغم ونوايا المؤلف النموذجي (الذي نفترض أنه يختلف عن المؤلف الفعلي) بوصفه استراتيجيةً نصيةً، على حد تعبير أمبرتو إيكو، في حين ينتهي العرض، في نص المخرج، كما ذكرنا، بدفن الأم لعارها حياً في صندوق معدني، وشنق نفسها بعقال أبيها، وهو فعل اختياري، نابع من إرادة مقاومة، يرمز إلى اجتثاث غرس الاحتلال ومحو بشاعته، والتضحية بالنفس كخلاص نهائي. لكنه يبدو، من منظور نقدي، فعلاً قصدياً للمخرج خاضعاً، في نواياه، لفكرة مثالية أكثر من كونه حافزاً درامياً مقنعاً للمتلقي.

الصفحات