"المرآة والتخييل: مقاربات في المسرح العربي" كتاب للناقد والروائي العراقي عواد علي، صدر عن دار نينوى للنشر والتوزيع، يتألف من فصلين، خصص الأول لقراءات نقدية في عروض مسرحية عربية من الأردن والعراق والجزائر وسوريا ومصر للمخرجين: جواد الأسدي، خالد الطريفي، نبيل
أنت هنا
قراءة كتاب المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي
الصفحة رقم: 8
(3)
لم تكن مقاربة المخرج أحمد حسن موسى لهذا النص مقاربةً امتثاليةً، بل مقاربةً منتجةً تقوم على رؤية مغايرة، وتأويلية تخطت النسق الدلالي للنص، ونواياه، ونسجت خطابها الجمالي، واقترحت مغزى مختلفاً له من خلال قراءتها واستنطاقها لما هو مسكوت عنه، فأعمل المخرج مبضعه كالجراح الماهر، وراح يشّرح جسد النص، ويعيد تركيبه، يحذف ما يراه غير منسجم مع رؤيته، وسياق القراءة، ويفجر مكنوناته الوجدانية، ويشيّد من أحجاره بناءً اخراجياً متماسكاً في تشكيلاته، وإيقاعه، وظلمته وإضاءته، تتوازن فيه الحركة والحوار في فضاء بصري سمعي فعال في تأجيج التحفيز النفسي للمتلقي، وشده إليه. ويقودنا التركيز على تفاصيل هذه المقاربة التأويلية، التي تُعد العمود الفقري لأي تجربة إخراجية متميزة، إلى الإمساك بحوافز (موتيفات) الاختلاف بين رؤية المؤلف ورؤية المخرج، وهي حوافز أسست، حسب هذه القراءة، نصاً ثانياً موازياً لنص المؤلف هو نص العرض الذي يشتبك معه المتلقي، ويؤوله، ويفكك شفراته. ومن جملة تلك الحوافز:
1– تحاول الأم، في نص المؤلف، الحصول على النقود التي أخفاها الابن في العبارة لتسافر، أوتهرب إلى الخارج "أعطني النقود.. عليّ أن أغادر العراق.. هذا خلاصي الوحيد". ويشير هذا الحافز إلى أن شخصية الأم، رغم منحاها الاستعاري الذي يحولها إلى صورة للوطن أو الأرض، فإن النص يقدمها بوصفها كائناً درامياً- اجتماعياً يفكر بحلول واقعية لأزمته الإنسانية، حتى وإن كانت تلك الحلول تتقاطع مع مكانتها الدرامية الرمزية، أو مع المثل العليا التي يتقصد بعض الكتاب إيلاءها أهميةً. أما في العرض فقد عمد المخرج إلى كسر أفق توقع المتلقي، وآلية إدراكه التي تفترض معرفتها بسياق الفعل الدرامي وسيرورته استناداً إلى قرائن تقليدية بأن جعل الكنز (الثروة) الذي تسعى الأم (مثلتها شذى سالم ببراعة) إلى استرداده هو عباءة أبيها وعقاله المخبئين في صندوق معلق في سقف المسرح. ولنا أن نتخيل الدلالات الحافة لهذا الكنز، وخاصةً حينما ترتدي العباءة وتلف العقال على رقبتها، في المشهد الأخير، وهي تقف على الصندوق المعدني (من مخلفات الآلة العسكرية للمارينز) الذي دفنت فيه عارها (الابن السفاح)، عار الاحتلال، حياً حتى تكتم أنفاسه، وتتخلص منه إلى الأبد، ثم تشنق نفسها بذلك العقال لتوحي لنا بعملية تطهير تراجيدية أشبه ما تكون بعملية شنق كلتمنسترا لنفسها في تراجيديا "أوديب" الاغريقية بعد اكتشافها لخطيئة زواجها من ابنها، على النقيض من امرأة الأسطورة (باندورا) التي لا تفلح في إعادة المخلوقات الشريرة إلى صندوق زيوس.