أنت هنا

قراءة كتاب الصدأ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدأ

الصدأ

تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
ـ المشهد الأول ـ
 
تأففت نرجس بينما كانت لا تزال تتأرجح بين اليقظة والحلم عندما اخترق رنين الهاتف ذلك الهدوء الذي يخلفه سكون ما بعد منتصف الليل ، ليوقظها من لذة الخيال ، ويعيدها إلى رتابة الواقع ، حيث طارت منها الأحلام والرغبات التي بدت لها في الحال مخجلة. مثلما تطير العصافير تحت وطأة الخوف من شيء مريب ، تركت مقعدها الدافئ الوثير وأبطال فلمها المشوق وهم يمارسون شهواتهم وعواطفهم على الشاشة الصغيرة وقد أخجلها ضعفها أمام حاجتها الشديدة للحب عندما استطاعت أن تتناسى عمرها الذي تجاوز الأربعين وأمومتها وأبنائها الذين صاروا أكبر منها .
 
بعينين قلقتين رمقت نرجس زوجها سعيد، الذي لم يحرك ساكناً، ثمل وشبه نائم يجلس أمام كأسه كالعادة مثل كل ليلة ، مصدراً شخيراً خفيفاُ متقطعاً كهر هرم وهي تتخطى بحذر تلك المسافة الضيقة بين ركبتيه والطاولة الكبيرة متجهة نحو الهاتف لتهم بالتقاطه وهي وتتمتم بتشاؤم :
 
ـ يا الله خير . أنشاء الله خير.....
 
كان صوت المرأة ذو أللكنه المغربية عبر الهاتف قوياً لاهثاً، فيه نبرة تحذيرية مما جعل نرجس تتسمر في مكانها ، وهي تسمعها ، ثم تسألها ، من تكون ، ما الذي حدث بالضبط ، وسرعان ما أدركت من خلال ما دار بينها وبين تلك المرأة من حوار مقتضب وسريع بأنها هي نفسها حسيبة جارة ابنتها نهال، كانت نرجس تعرف بأن فؤاد زوج أبنتها نهال يكره تلك المرأة ويمنع نهال من التواصل معها ويقول عنها دائماً : حسيبة حيزبون ما لهذا قد يصل الفضول معها لإلصاق أذنها بالجدار الفاصل بين شقتها وشقتنا ليلاً ونهاراً لتعد علينا أنفاسنا فحسب . كما كان يدّعي بأنها جارة سوء ويتكلم عنها على الدوام كلام سخيف، كان يتردد بين الحين والآخر على مسامع نرجس من خلال ابنتها نهال التي كانت تؤازر حسيبة وتتعاطف معها في همومها ومشاكلها ، وتدافع عنها بقوة أمام اتهامات زوجها فؤاد ، وحسيبة هي الأخرى كانت على مدار السنين القليلة التي تجاورن فيها وأطلعن خلالها على هموم بعضهن تؤازرها وقد صارتا مثل طائرين حزينين يخلدن في خلوة لتشكي كل واحدة همومها للأخرى، وفؤاد رغم حذرهن من الالتقاء معاً أثناء وجوده وتأجيل حوارهن بين الحين والآخر، إلاّ أنه كان يتغاضى حيناً ويثور حيناً آخر رافضاً بشكل قاطع تلك الصداقة التي يصفها بالغريبة والمبنية على النميمة وخراب البيوت ، ونهال ترد عليه : هذا إذا كانت البيوت عمرانه ! ونرجس تستمع لأبنتها منذ فترة طويلة بين مصدقة ومكذبة لما يدّعيه نسيبها ليغلبها العطف مع مرور الوقت وتتفاقم المشكلات لدى الجانبين، بتدهور علاقة نهال مع زوجها إلى حد التلويح لبعضهما مؤخراً بالانفصال، وتفاقم المصائب لدى تلك المخلوقة البائسة حسيبة التي ما انفكت نهال تبني حولها 

الصفحات