لم تمض سنة على صدورالطبعة الأولى من كتابي :اسئلة الحداثة في المسرح" حيث نفذ من التداول، وهو الكتب الذي لقي اقبالا جيداوكتبت عنه عدة مقالات، بعذ أن أضيف إليه مجموعة من المقالات التي كتبتها خلال العام الماضي، وبالفعل فالكتاب بحلته الجديدة يحتوي على احدى عشرة
قراءة كتاب أسئلة الحداثة في المسرح
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
مقدمة الطبعة الأولى
شغلتني أسئلة الحداثة في المسرح، منذ ابتدأت الكتابة النقدية عن العروض المسرحية، و كان ذلك قبل أربعين عاماً تقريباً،يوم لم تكن معرفتنا بالمسرح، غير أن يكون ثمة نص ومخرج وممثلون وصالة وجمهور. وبوصف ذلك فعالية إجتماعية نحضرها قبل أن تكون فاعلية فنية. لكن ما شغلني أكثر في سؤال المسرح هو علاقتي به التي تمتدإلى وراء إلى مرحلة الدراسة الثانوية، يوم كنت طالبا في الصف الثالث المتوسطة في ثانوية القرنة للبنين وكان ذلك عام 1956 شاهدت لاول مرة في حياتي، مسرحية مازلت أشعر بالرهبة كلما تذكرت مشاهدها، تلك هي مسرحية " فاوست" لغوته. وقد مثلها طلبة الصف الرابع الاعدادي، ومن بينهم من أصبح علماً ثقافياً بارزاً كالناقد الدكتور خيري الضامن والناقد صبري هادي وطلبة آخرون لاأتذكر أسماءهم الآن. ومنذ ذلك التاريخ اصبح المسرح يعيش معي، ذاكرة وفناً ومجالاً للحوار مع الزمن.تشكلت تلك الصورة ونحن في الخمسينات، وكان بعضنا يعرف غوته وفاوست والحداثة، وطرق التجارة،ومفستوفيلس، لا بل كانت المعرفة أعمق من ذلك، عندما نعرف أن الأحلام البشرية ومشاريع التحديث ورؤية العالم، يكمن التحقق منها. ثم نعرف كيف يتم تمثيل هذا كله على المسرح، وإقناع مجموعة من الطلبة والمدرسين في منطقة معزولة من العالم، تقع في ملقى نهري دجلة والفرات بمضامينه.كان عالم الخمسينات ينمو مع أحلامنا في الدراسة والتغيير الثوري. نهتف بسقوط حلف بغداد، وفي الوقت نفسه نمثل فاوست على رحلات صفوفنا الدراسية.
ما بقي من تلك المسرحية هو صورة مفيستوفيليس، وهو يرتدي السواد الفضفاض وقبعته الطويلة، ويخرج من تحت الطاولة، معلناً هيمنة الشرور على العالم، هذه الصورة التي ولّدت فيّ الكآبة، لم أفهمها إلا مؤخراً، من أن مفيستوفيليس كان يتحدى فاوست، بان الروح هي المطلق، وأن الحداثة لا يمكنها أن تسير على قدم واحدة بدون الروح. وقائلاً إن المزاوجة بين الروح والعلم هي ملازم التحديث. هذا ما قامت عليه فلسفة القرن التاسع عشر، هيجل في الروح المطلق وماركس في المادية، وقبلهما، في النصف الأول من القرن التاسع عشر 1831زاوج غوته بين الروح والعلم في مسرحية فاوست التي أعتمد فيها على نصوص قديمة كتبت عن فاوست تمتد إلى القرن السادس عشر، حيث سبق وان تناوله يوهان سيبيس في كتابه "فاوست" 1587، وكريستوفر مارلو "التاريخ المأساوي لفاوست" 1588. فالمسرح إذن هو تنويع على تاريخ الأحداث ، هكذا فهمنا المسرحية ونحن طلبة نهتف ضد الأحلاف العسكرية في منطقة الشرق الاوسط وعلى رأسها "حلف بغداد 1954". وعرفنا أن الشرور هي من صنع البشر. هكذا فعل شكسبير في تاريخ بلوتارك عندما أعاد صياغته برؤية تراجيديا بشرية، تتحكم بها إرادات السلطة والأقدار،