رواية " إستلوجيا " ، تأليف صلاح صلاح ، والتي صدرت عن
أنت هنا
قراءة كتاب إستلوجيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ضبابٌ، سماءٌ من رصاص ذائبٍ، وذئابٍ تكريتيّةٍ تتفرّج على سقوطك المُدوّي. لا حياة، بل صمت كونيّ. فقط الرئيس بأقاليمه المتعدّدة يُفرد أجنحته على الفضاء. أنت تسير مثل خرافة، مثل قنديل بحرٍ، مثل فزّاعة في الحقول الجرداء، والمهيب الركن بتمثُّلاته النرجسيّة يُمزّق الأحشاء بمناجله الكبيرة.
***
منذ البدء، كان ينبغي أن أروي قصة الأشياء السخيفة التي حدثت في حياتي أو حياتها الملعونة. كان يجب أن أنتحر أن أفعل شيئًا ما، لكنّ الأشياء غير المُمكنة هي الوحيدة التي نستطيع أن نطلق عليها: ازدراء. لذلك فإنّي أزدري حياتي وأزدري هذا الوجع، الوجع الكبير يوم فُلقت إلى فلقتينِ، في واحدة كنتُ أنا وفي الثانية عقابي الشّديد وغير الممهور بالرحمة، ذلك لأني ضعت في لحظةٍ زمنيّةٍ نحو الغطس الكليانيّ للروح وهي تموج في بحر اسمه العراق. قد أكون مُغاليًا في بعض الأحيان، وقد أكون بائسًا إلى درجة الشفقة وإلى الحدّ الذي أُثير فيه مشاعر النحلة والنملة.
لم أعرف منذُ متى أصبت بالشيزوفرينيا أو العوز النفسيّ، ربّما في طفولتي وربّما في ريعان الشباب، كما يقولون. وفي كل الأحوال فأنّي أضحك من كلمة ريعان، أيّ ريعان؟! وهذا الكابوس يغلف الوطن، الوطن الممتدُّ شرقًا وغربًا ويمتطي صهوة المجد. لكنّ هذا المجد ليس عنوانًا للنجاح ولا للهيبة التي يتبجح بها الرئيس، إنّما الإذلال الذي عانيناه طوال حياتنا. لا أعرف على وجه التحديد كيف حُملت بهذا الألم؟ الألم الشنيع عندما تغزوني تلك النوبة الحقيرة. في الواقع، ما كانت نوبة بالقدرالذي كانت فيه استمرار الحياة بشكل آخر.. أنا أهلوس غالبًا، أنتقم، أوشوش في أذن الريح، أفتن على العاصفة وأثيرُ شفقة الرياح. وهنا ينبغي القول: إنّ اللعنة التي نامت على ظهري جعلتني أكفر بكلّ شيء، أكفرُ بالأرض والتربة والأشجاروالوطن أيضًا. لكنّ يجب وفي كلّ الأحوال أن أجد تبريرًا لما فعلت، وأيّ تبرير يمكن أن يُقدّم للخروج من المحكمة كشاهد وليس مجرمًا؟ جريمتي ليست كما جرائم الآخرين. إنّها مُبرّرة لي شخصيّا وهذا مُهم. ربّما سأُتَّهم بأني حقير، كلب، قوّاد، سرسريّ، خائن. أي شيء يمكن أن يطرأ إلى ذهنك، لكنّي في الحقيقة لست هذا الشرير الذي طعن ولا المجرم الذي قبَّل خدّ يسوع القُبلة الأخيرة. لا لست واحدًا من هؤلاء قطعًا. وذلك لأنّ تبريري الوحيد الذي لم يفهمه الجميع أنّي فعلت كلّ هذا تحت غريزة غريبة، غريزة مجهولة وضائعة بين آلاف الحشرات في هذا العالم.
إنّ ما يراه بعضهم سخافة، تجده أنت أروع الأشياء. هكذا هو العالم وهكذا هي نظرتي التي تعتمد على الإحساس الفرديّ بألم الروح وليس كما يتصوّره بعضهم. وفي النهاية، فإنّ هذه البقعة، الشيء الذي يُسَّمى- الوطن- وأنت خرجت من حيامنه، سيبقى هو الأجمل وستبقى- برغم الوجع- مسكونًا بهاجسه الغريب، مهما مورست بحقّك سلطة الإبعاد واللؤم؛ لأنّه، ببساطة، يضمُّ أكثر الأشياء إثارة في حياتي، زهرة الراسقي، أمّي التي قَطفت ربّما عن خيبة أملٍ أو عن يأسٍ وغالبًا عن حرص روح وريحان وجنّة نعيم حياتُها وهذه هي المشكلة.
من جهتي أعتبر أنّ الحياة لا تستحق أن تعاش في غالب الأحوال ونادرًا ما كنت أبكي وعندما أعيش حالة الانشطار الذهنيّ، أفرغ جُلّ الألم في مهبل الوطن وهذا الإله الذي اسمه السيد الرئيس، والسيد الرئيس عندما كان نائبًا, يستمرّ في ممارسة عزف البيانو على مؤخّرتِي.
***