رواية " إستلوجيا " ، تأليف صلاح صلاح ، والتي صدرت عن
أنت هنا
قراءة كتاب إستلوجيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
من الصومعة التي أنام فيها كل أيامي الحبلى بالبرد ومدفأة - علاء الدين - القديمة في غرفة مصنوعة من التنك، من رائحة النفط الأبيض و(صخام) الطباخ النفطيّ في حياتي، من صباحات مزوقة بثآليل برد ليلة ماطرة وجَدّة بائسة تجمع المطر بأوان من الفافون، بالجرذان التي تهبّ مع أعاصير الشتاء الهمجيّ وأنا فوق حشيّة قديمة مفعّمة برائحة بولي عندما تهاجمني الكوابيس، لأنّي بلا أم تضعني تحت إبطها، أشتهيك وأفكّر أنّني أعيش هنا بين القاذورات وزوجك يستنزف كلّ راتبك ويسافر كلّ صيف إلى بلغاريا ورومانيا وعندما تطلب جدّتي منك، أمامي، مبلغًا من المال لشراء حقيبة مدرسيّة لي أو فتيلة للمدفأة تنهريننا وتقولين أين تذهبون بالمال الذي تعطيكم إيّاه الحكومة كراتب تقاعد لوالدي؟ وكان التقاعد - المعاش - هزيلًا جدًّا وبائسًا، وعندما أسمعك تنهرين جَدّتي أبكي في وحدة مخيفة في ظلمة هذا الكون متذكّرًا ملابس وأحذية زوجك الإيطاليّة وحفلاته العارمة وصناديق البيرة والعرق وصناديق شراب السنزانو التي يشتريها من راتبك وأنت صاغرة كنت طفلًا لم يبلغ الثامنة تهزّه عصافير هاربة من المكان، كنت اقرأ على ضوء فانوس في غرفة التنك وفي الصباح حينما أذهب إلى المدرسة تكون ملابسي كلها مملوءة برائحة الكيروسين.
تعتريني الدهشة وأنا إزاء الباب المفتوح على العالم حيث أقف متواريًا ومرميًّا بالنبال. أول ما أفعله بعد الخروج من البيت الذي تختبئين فيه أمي، التخلّص من سيارتها الموسكوفيج المركونة قرب الدّار. أركبها وأنا أشعر بزوايا وجع متقلّص يعتصر وجهي وفمي، أقود السيارة بصعوبة وأتوجّه إلى بيت عليّ شقيق زوج أمي. أصل حي العامل حيث يسكن وأجده جالسًا عند عتبة الباب وخلف كرسيّه بُطل عرق موضوع في كيس ورقي أسمر أطلب منه الاحتفاظ بالسيارة لبعض الوقت وأتّجه من هناك إلى مدرسة أطفال أمّي حيث أجدهم يبكون خارج سور المدرسة بعد أن انتهى الدوام ولا أحد ينتظرهم. كنت أشعر أنّي أرنب في حقل كبير جدًّا وبانتظار العاصفة. أتوقّف أمامهم وأنا أشعر بضياع فيزيقيّ، ضياع ملون بالخراب واللا معنى والدهشة والحيرة. أقودهم مثل حيوان هَرِم وأذهب بهم إلى بيت جدهم حيث يقف هذا إزائي مثل معتوه ويسحب الأطفال من يدي ويدينني بنظرة الاحتقار والبَلَه. أبصق عليه في سريّ وأقول اللعنة عليك أيّها العاهر ولا أحصل منه على شكر. أتركه وأذهب إلى الجحيم، في جوّ بغداد الذي يضيعني في متاهاته وألغازه. وجوه الخوف تتوالى عليَّ مثلما توالي الشياطين على ….. مع الخوف والابتذال. بعد ساعات طويلة مشفوعة بإنهاك دينوسيّ أعود إلى البيت، أندسّ في الفراش مثل خبل وأغرق في كوابيس متواصلة.
في صباح اليوم التالي أنهض منهكا وحالة اختناق تأسرني وعيني مملوءة بمخاط الشيطان، من دون أن أتناول فطوري المكوّن من الخبز والشاي أحاول الهرب إلى عالم متكامل من الصراخ والارتكاض واللعنات. جو مذاقه خرائي وكل شيء في ذهني يعوى. عند سكة القطار التي تقسّم حيّ اليرموك، ألتقي وجهًا لوجه أمام الجامع، بشيء أبلهَ طويلٍ له شفتان متهدّلتان والتفال يسيل من فمه دائما مع حدبة ظهري ولحية منثورة إلى كل الاتجاهات أضف إلى هذا أنّه متزوج بثلاث نساء وكلهن يمارسن العادة السريّة ووجوههن مملوءة بالندب المتقيّحة، قبل أن ألتفت يمسكني هذا الشيء من زندي بقوة شيطانيّة ويقول لي: لم لا تحضر صلاة الجمعة؟ وأقول له: أعتذر مولاي. لكنّه لا يمنحني مساحة للتفكير ويقول: صلِّ قبل أن يُصلّى عليك. أتخلّص منه وأركض إلى موقف الباص، اللا معنى يطاردني. أشاهد في المحطّة معلم التربية الرياضيّة - البعثيّ - بسيقانه اللقلقيّة وعلكة أبو السهم في فمه و- كَروته - عندما يشاهدني ينجذب نحوي ويحاول التحدُّث بأدب جمّ، ثم يتحوّل كل شيء إلى فوضى وبُصاق متطاير وحك للخصيّة ويقول: إنّه صبرَ طويلًا من أجل كسبي لحزب البعث. أتذلّل أمامه أقف مثل كلب مبلّل على قائمتيه. يقول أيضًا: إنّه مبتئِس منّي ويسألني لماذا لا أكتب تقريرًا للحزب أطلب فيه الانتماء؟ هل أنت معادٍ للحزب والثورة؟ لا... لا أستغفر الله أقول. " يجب ألا تنسى فضل الحزب عليك وعلى الذين خلّفوك يا ساقط، يا عارٍ، يا خنيوة "، يقول. ثم يضيف: "الحزب هو الذي أمّم النفط وهو الذي أوصل الكهرباء إلى الريف وهو الذي صنع مجانيّة التعليم وهو الذي قاد ثورة محو الأميّة" وبتأتأة أجيب: "نعم... نعم، أعرف، أعرف". ويناولني ورقة بغضب ويقول:"وقع هنا... هنا... أراوغ مثل ذبابة، مثل ضبع،، مثل بقّة وعندما يهطل المطر أكون قد ذبت في العاصفة.