إذا كانت الجغرافية الوعاء الذي يحتوي العلوم كافة, باعتبار أن غايتها الإنسان ومنطلقها الإنسان, فإن هذا لا يعني أن الجغرافي هو العالم بالعلوم كافة, وإنما علمه فيها بالقدر الذي لتلك العلوم من تدخل في الوسط الذي يعيش فيه الإنسان متأثراً ومؤثراً به.
أنت هنا
قراءة كتاب البحث الجغرافـي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

البحث الجغرافـي
الصفحة رقم: 2
1 ـ 1 ـ ماهية الجغرافية:
الجغرافية كانت وستبقى علم المكان بما للإنسان من وجود فيه أو تأثير عليه. والمكان بمفهومه الطبيعي غيره في مفهومه الجغرافي؛ فالمكان الجغرافي عنصرا تكوينه هما الطبيعة (خصائص المكان الطبيعية من تضاريس ومناخ ومياه وتربة ونبيت ووحيش) والإنسان. والإنسان عنصر المكان الجغرافي سواءً كان مقيماً ومستقراً في ذاك المكان, أو مؤثراً في مكان آخر, ومتأثراً بخصائص ذاك المكان. فكل ما يؤثر بالإنسان يدخل في المجال الجغرافي. لذا نجد أن أفق الجغرافي أوسع من حدود وجود الإنسان الذي لم يتجمد في المكان, وإنما دائماً ينظر إلى خارج المكان ليعرف أبعاد ذاك المكان الذي يعيش فيه؛ فعلى الرغم من أن المناطق القطبية خالية من البشر, إلا أنها ببرودتها الشديدة تؤثر على مناخ العروض الوسطى التي تعج بالإنسان. كما أن الإنسان في مناطق سكناه, تعامل مع بيئته بعنف محاولاً استجرار كل إمكانياتها مما جعله بحاجة للبحث عن مصادر حياتية خارج محيطه مستجراً إياها إلى حيث يسكن, وهذا ما حدا به التوجه بأنظاره إلى القارة القطبية الجنوبية ليبحث فيها عن إمكانية استجرار مخزونها المائي الجليدي مستقبلاً, وإلى الصحارى التي تمتلك بعضها مخزوناً مائياً جوفياً أحفورياً, ليستجره إلى حيث يعيش, وإلى البحار ليستجر مياهها بتحليتها واستخدامها في أموره الحياتية... الخ. وهذا كله وسع من مجاله الجغرافي, الذي غدا يطال ما بعد الأرض من شهب ونيازك ومذنبات وأجرام سماوية مختلفة اعتقد الإنسان أن لها تأثيراً عليه.
وهذا كله يقودنا إلى القول؛ إن الجغرافية هي علم العلاقات, فليس هناك
مكان معزول عما يجاوره بنظمه الطبيعية وأحيائه المختلفة. ولذا فإن أي بحث جغرافي, مهما حددنا إطاره المكاني, فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم بمعزل عن المحيط المؤثر به إيجاباً أم سلباً. فدراسة مدينة لا تتم بمعزل عن الريف المجاور لها والمحيط بها وظيفياً, والعكس صحيح. ودراسة المناخ أو عنصر من عناصره, أو ظاهرة من ظواهره, في مكان ما, لا يمكن أن يتحقق لها النجاح إلا إذا أخذت بالحسبان كافة القوى الخارجية المؤثرة سواء في الأماكن المجاورة أو البعيدة, حيث التأثيرات المناخية العامة على أي مكان في سورية, تأتي من سيبيريا ومن الشمال الأوروبي ومن الأطلسي الشرقي, ومن الشمال الإفريقي ومن الجنوب العربي.
إن موضوع الجغرافية متعدد الجوانب, ومتنوع المداخل, وميدانها العالم كله, وكل ما يؤثر فيه. فالجغرافي يتناول بالدراسة مختلف الظواهر الطبيعية و البشرية على سطح الأرض؛ يوزعها ويحلل ما بينها من علاقات متبادلة, بغية فهم ما ينشأ عن هذه العلاقات بين الظواهر من اختلاف مكاني, للتعرف على الأقاليم الجغرافية الناتجة التي يتسم كل منها بخصائص مميزة. كما يدرس الجغرافي التحول والتغير في الأماكن والبيئات: فالجغرافي يدرس المناخ وعلاقته بالتضاريس, والعكس. ويدرس السكان وعلاقتهم باستغلال الأرض. والترب وعلاقتها بمناطق العمران...الخ. فالعلاقات المتبادلة بين ظاهرات البيئة المختلفة ونواتجها إحدى أهم محاور البحث الجغرافي.
1 ـ 2 ـ أقسام الجغرافية:
تهتم الجغرافية بدراسة الأرض بأغلفتها الأربعة الرئيسية؛ الغلاف الجوي, والمائي, والصخري, والحيوي, وكل غلاف من تلك الأغلفة يشكل موضوعاً رئيسياً من موضوعات الدراسة الجغرافية الطبيعية. كما أن الإنسان أحد الميادين التي ترتكز الجغرافية عليها, حيث تدرسه من حيث سلالاته, وصور مجتمعاته وتاريخ هجراته وحركاته الطبيعية. فضلاً عن أنها تدرس العمران الريفي والحضري, والمظاهر الحضارية التي تؤثر في المظهر العام للأرض وفي طرق الحياة. وتعالج أيضاً أنشطة الإنسان المختلفة؛ الزراعة, والصناعة, والنقل والتسويق, وما يتصل بذلك من أنشطة أخرى. ولما كان من الصعوبة بمكان أن يحيط الجغرافي بكل الموضوعات سابقة الذكر التي تشكل ميدان الدراسة الجغرافية الرحب الواسع, لذا أخذت تلك الموضوعات تُدرَس دراسة منفصلة ضمن إطار الفكر الجغرافي, مشكِّلة في النهاية لبنة من لبنات البناء الجغرافي المتكامل الذي يتم فيه أخذ جميع الظواهر الجغرافية بالحسبان, محاولاً الربط بينها, مظهراً مدى العلاقة والترابط فيما بينها, والمظهر البيئي المكاني المتولد من جراء ذلك.
واستناداً إلى طبيعة الموضوعات التي تتناولها الجغرافية ومجالات بحثها وخصائصها, فقد قسمت الجغرافية إلى قسمين رئيسيين, هما:
1 ـ 2 ـ 1 ـ الجغرافية الأصولية (Systematic Geography): أو ما تدعى بالجغرافية النظامية, أو الجغرافية الموضوعية. وكذلك عرفت باسم الجغرافية العامة. وهي تمثل عموماً الشق التحليلي في الجغرافية, لذا يمكن أن نطلق عليها أيضاً تسمية الجغرافية التحليلية. وهي التي تهتم بدراسة ظواهر البيئة الجغرافية منفردة ومنفصلة عن بعضها. وبذا فإنها تقسم إلى شعبتين هما:
1 ـ الجغرافية الطبيعية: التي تهتم بدراسة أغلفة الأرض الأربعة بما ينتج عنها من مظاهر متنوعة في أشكال سطح الأرض وفي المناخ والنبات والحيوان. مع الاهتمام بموقع الأرض الفلكي وعلاقة هذا الموقع بالشمس وبنظامها, والظاهرات الفلكية والكونية التي تشغل فكر الإنسان, وبهذا فقد قسمت الجغرافية الطبيعية إلى فروع عدة هي: