You are here

قراءة كتاب ظل ومرآة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ظل ومرآة

ظل ومرآة

رواية "ظل ومرآة" للكاتبة السعودية نداء أبو علي؛ تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي عاش في مجتمعه، ثم سافر لإكمال دراسته خارج البلاد، ليعود إلى مجتمعه بنظرة مختلفة، جعلته لا ينظر سوى للجانب السلبي من مجتمعه...

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
رنيم
 
تتعثّر رنيم بظلّها الذي يقف فارهاً أمام المرآة محاولاً إخفاء ملامحها· لا تستطيع أن تميّز تقاطيع وجهها الذي بدا صلداً أجوف خالياً من أي ملامح· إنّها في طريقها إلى الجحيم· تريد أن تتسلّل إلى مغارة رجلٍ لا تعرف عنه إلاّ أنّه يحاول اقتحام عقلها وإجبارها على الخضوع له· لا تستطيع التوقّف عن التفكير فيه، تتخيّله يقف خلف نافذتها يتأمّلها ساخراً وهو يلحظ ارتجاف أناملها؛ وهي تحاول ارتداء ثوبٍ يظهر تضاريسها لتلتقي به· تتصوره يضحك جذلاً حين يشهد صبغها لشفتيها بطلاءٍ يحاول إغراءه دون تكتّم· تتمنّى لو تستطيع استشفاف مافي عقله، فإشاراته التي يحاول أن يظهرها لها متذبذبة متضاربة تتقاذف ما بين اليمين تارة وما بين الشمال تارةً أخرى، وهي تخفق في فهم الإشارات ومعرفة الطرق والانبعاجات في شوارع رأسه· تتساءل أحياناً إن كان انبهارها به قد طرأ نتيجة لتضجّرها من تقلّب أيامها دون غايةٍ تشغل عقلها· تشعر وكأنّها قد أقنعت نفسها بأن عليها أن تتقبل أي شخصٍ يطرق باب حجرتها لتسمح له باجتياح كيانها وتقطيع أوردتها في الوقت الذي تترقب فيه قطرات دمها بتلذّذٍ غريب· يجلس هو على فوهة مدفع موجّه إلى رأسها الصغير سعياً إلى تهشيمه· وتقف هي أمامه بانتظار قدرها غير عابئةٍ بما سيحدث، فرأسها لا يحوي إلاّ ذاكرةً مثقوبة وآمالاً بدأت تدريجياً بالتلاشي لتخفي وراءها سخريةً وقنوطاً·
 
تنهض وتفتح خزانة ثيابها مرةً أخرى للتأكد من حسن اختيارها لذلك الثوب، لا تريد أن تظهر مهتمة بما ترتدي فيحسب هو أنها ترغب في قضاء الوقت معه في أمور تتجاوز النقاش الهادئ العذري، ومشاهدة فيلم ينقضّان عليه بالنقد والتشريح بعد انتهائه·
 
لا تريد أن تتشابك نظراتهما كما يحدث في تلك الروايات التي تستسخفها حين تقرؤها، لا تريد أن يتأملا بعضهما البعض بصمت لا يقاطعه إلا همسه الذي لا يشي إلا برغبته في التعرّف على تضاريس جسدها· تخاف أن تضحك بخفوت ويرتجف صوتها فيعتقد أنها تدعوه إلى عدم التورّع عن ارتكاب أي جريمة· تعترف لنفسها في تلك اللحظة بأنها تريد أن تصبح مغفلة تستمع إلى عبارات الحب الفارغة التي سخرت منها في السابق واستنكرتها لاعتقادها أن كل الرجال لا يتلفظون بها إلا للإيقاع بفريسة أنثوية منهزمة· تتساءل إن كانت ستضحي فريسته تلك الليلة· ربما إن عاشا خارج مجتمعهما الملغّم القاسي لتجاوزت كل ذاك الذعر المتناقض· تقرّر أن تنزع عنها ذلك الثوب الأبيض المتكلّف وتختار بأصابع راجفة متوترة جينزاً بالياً وقميصاً زهرياً اعتيادياً كما ترتدي كل يومٍ في منزلها· تترك شعرها ينسدل على كتفيها دون تصفيف· تزيل عن شفتيها ذلك اللون القرمزي الملفت لتطليهما مرةً أخرى بلونٍ زهريٍ خفيف يتقارب من لونهما الطبيعي· لا بد له أن يفهم بأنها وإن قدمت لزيارته فهي ليست سهلة المنال· تتوق للتناجي معه خلف الأبواب الموصدة، لكنها لا تملك إلا أن تسمح لعقلها المريض تخيّل أسوأ الأحداث· تدرك باختيارها أن تتجاوز الأعراف يعد جناية حتى وإن أصبحت ضحية إقحامه نفسه جسدياً وعاطفياً· تسرح بتفكيرها وتتذكر عاطفته الطاغية وصمته ونظراته التي تشعرها بأنوثتها، وبأنه يستطيع أن يستشف كل ما يعتلجها دون أن تتحدث· لكنها تشعر بضربات قلبها المتسارعة الناتجة عن هلعها وقد أثارت فكرة مقابلتها رجلاً في مكان منعزل هلعاً داخلياً· تحاول أن تتوقف عن التفكير في احتمالات ما يضمره غازي لسبب دعوته لها·
 
قد يكون شبقاً قام بكل تلك المسرحية ليصطاد فريسته كما يفعل مع غيرها من الفرائس، وحين توافق على زيارته يتوقع بأنها أعلنت خضوعها لكل أفعاله مسبقاً· تتساءل إن كان عقلها قد أصيب فجأة بالتجمّد فغفل عن حقيقته· قد يكون سفّاحاً يغتصب كل من يدعو من الفتيات· لن يحاكمه المجتمع فهي مدانة بمجرد تحدثها معه· تحاول إيجاد خطط بديلة للهرب في حالة أن تكون توجساتها صحيحة· أسهل طريقة هي القفز من نافذة حجرته، لكنها لا تعرف في أي طابق يسكن· تجد حلاً بديلاً هو الاتصال بالشرطة، لكنها لا تتذكر رقمهم· لا تتذكر إلا رقم 911 من الأفلام السينمائية الأمريكية مما لن يفيدها في حالة اضطرارها الاستنجاد بأحد· تشرع في كتابة رسالة نصيّة لصديقتها الأزلية دانة، تعزم على تخزينها لترسلها في حال احتاجت إلى ذلك، ستسجل في رسالتها مكان وجودها وستتهم فيها غازي باختطافها وتطلب منها التصرف بسرعة لنجدتها· ستبادر بإرسالها في أي وقت تشعر فيه باقتراب وقوع كارثة· إن باغتها وسحب منها هاتفها ستصيح بأعلى صوتها ليتمكن الجيران وكل من في الحي من سماع ندائها· تهزّ رأسها باستنكار لتطرّف هواجسها التي أحالت شاباً لم يبدر منه أي سلوك شاذ، إلى شبقٍ مرعب· تشك بأن عقلها قد أصابته لوثة من الجنون لتجتاحه أفكار سوداوية ورثتها إثر سماعها لجميع تلك الحكايا وحوادث الشرف المتعددة، وبعد قراءتها ومشاهدتها لكل تلك الروايات والأفلام العربية المريضة· كانت كلما رأت مشهداً لشابّة بريئة ينقض عليها شاب متهور مقزز تصيح بغضب أمام شاشة التلفاز لتصم الفتاة بالحمقاء بسبب ذهابها إلى منزله· تبتسم بتوتر وتغمغم بأنه قد جاء وقتها هي لتقع في المصيدة، تلك المصيدة التي من المحتمل أنها تريدها هي فقد أصبحت كبشاً وديعاً يجري خلف الذئب ويترجّاه أن يأتي لالتهامه، فإذا اقترب منه تقهقر وأخبره بأنه غيّر رأيه ولا يطلب منه إلا السلام·

Pages