اتكأت رواية "بير الشوم" للكاتب الفلسطيني فيصل حوراني هذه على الأحداث التي داهمت فلسطين في العام 1948م، إلا أنها أشادت عالمها الخاص بالاعتماد على المخيلة الروائية في المقام الأول، وهكذا رسمت (بير الشوم) صورة نابضة بشتى الألوان والإيقاعات لأشخاص عديدين وعلاقا
You are here
قراءة كتاب بير الشوم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
- الله يصبحك بالخير يا شيخ حسن، طوّل بالك على البغل، الدنيا بدري ومخلوقات الله نايمة!
- وانتِ مش من مخلوقاته، ليش هالسروة؟
- لازم جرار دار المختار تمتلي، إذا فاطمة ما اشتغلتش، كيف بدها تمتلي، صحي بدري وحرمني من حلاوة النوم، الخادمة خادمة، الحمد لله على كل حال·
راقبها وهي تغطس الجرة في الجرن، وسمع بقبقة الهواء وهو يخلي الجرة أمام دفق الماء حتى امتلأت، ثم سألها:
- المختار حضّر قهوته؟
- عمّرت المنقل قبل ما اطلع·
ثم راقبها وهي تمضي حتى اختفى جسدها بين عطفات الدور·
اجتاز الشيخ عتبة دار المختار، وتنحنح بصوت عال، ودخل المضافة·
- أهلاً بك يا بركتنا···
- وبالمهلّي يا مختار!
تجاوز المختار وليد أبو حامد سنته الستين منذ مدة طويلة، وهم يدعونه الشايب حين يتحدثون عنه في غيابه أو حين يخاطبه من تسمح لهم منازلهم أو أعمارهم برفع الكلفة معه· وقليلون، فقط، من أهل القرية يعرفونه قبل أن يكون المختار، فقد ولي المخترة شاباً، وعرفه جيل تلو جيل بهذه الصفة التي أصبحت تلازمه كما يلازمه شكله· ومن الصعب أن أصف لكم شكله بدقة، فأنا لم أره منذ ذلك التاريخ· وإنما قرّ في ذاكرتي شكل لرجل متوسط القامة أميل إلى النحول، شعره أشيب حليق دوماً يشكل، حول رأسه، هالة بيضاء غير تامة الإنارة يلتمع بياضها حين يحرك الرأس، وصوته يجمع حين يتكلم بين العمق والحدّة بصورة تجعله مميزاً عن أصوات الآخرين، وأسنانه بيضاء تنتظم كاملة في فمه· ولا أستطيع أن أجزم الآن ما إذا كانت طبيعية هذه الأسنان أم صناعية، ولئن كنت قد احتفظت بصورتها، فلأنها كانت تكسب ملامحه مزيداً من القسوة حين يحتدّ ويعبر عن حدته بالكلمات· وكان يجلس على فراش يمد له في صدر المضافة على اليمين بحيث لا يكون بمواجهة الباب، الأمر الذي يمكنه من أن ينهض لاستقبال الداخلين إليها أو يتجاهل دخولهم، متشاغلاً بتقليب جمرات المنقل الموضوع على الدوام أمامه، حسب الأحوال!
وحين حيا المختارُ الشيخَ حسن، انفرج ثغره عن نصف ابتسامة، بينما ظلت عيناه مركزتين باهتمام كامل على الإبريق الذي تفور فيه القهوة، وأمسكت إحدى يديه بالإبريق، فيما أمسكت اليد الأخرى بملقط النار وأخذت تقلب الجمرات·