اتكأت رواية "بير الشوم" للكاتب الفلسطيني فيصل حوراني هذه على الأحداث التي داهمت فلسطين في العام 1948م، إلا أنها أشادت عالمها الخاص بالاعتماد على المخيلة الروائية في المقام الأول، وهكذا رسمت (بير الشوم) صورة نابضة بشتى الألوان والإيقاعات لأشخاص عديدين وعلاقا
You are here
قراءة كتاب بير الشوم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
امتدت أمام ناظريه، وهو يسير، الحقول بزرعها الذي تهيئه الشمس للحصاد القريب، سنابل الشعير مكتملة النضج، وسنابلُ القمح التي ما زالت تحتفظ بشيء من خضرتها، يلوح لونها متموجاً تحت ضوء الشمس، وقد انتصبت عيدانها بينما مالت هي ذات اليمين وذات الشمال· وبين وقت وآخر، كانت قدماه تقودانه وسط حقل للعدس أو الحمص، نبتات خضراء متجاورة شقت الأرض واكتسبت حقها في الحياة· والحقول بالنسبة له لها شخصياتها المتميزة، إنه يعرف أرض القرية شبراً شبراً كما اعتاد أن يقول· ومنذ أشرف بنفسه على إنهاء شيوع الأرض وتوزيعها على الأسر وهو يعرف تاريخ كل حقل، من مَلَكه والذين توارثوه، والذين زرعوه بالأجرة أو بالمحاصصة، ويعرف شؤون هؤلاء وهؤلاء، كيف يعيشون ومقدار الديون على كل واحد منهم وممن استدان· وما من صاحب حقل إلا سبق أن قدم هو له خدمة ما، وها هم اليوم يتنكرون لجمائله ويثيرون له المصاعب· يحرضهم الشيخ حسن فيستمعون إليه، ويوشوش في آذانهم مجاهدو القرى الأخرى فيؤخذون بكلامهم· ولكنه ما زال هو هو، وليد أبو حامد، وهو يعرف كيف يواجههم كلهم إذا اقتضى الأمر· ووجد نفسه في واحد من حقوله فجلس وسطه، وأخرج علبة تبغه، ولف سيكارة أخذ منها أنفاساً قليلة ثم عافها فرماها ونهض وفركها بحذائه· واستأنف السير على غير هدى تقريباً حتى أدركه وقت الصلاة· فكرَّ عائداً إلى القرية·
بوسعكم أن تحزروا أن أول فلاح لقيه المختار عند طرف القرية قد أنبأه عن مغادرة النجدة إلى “بيت دراس” وأستطيع أن أقول لكم إن رد فعله كان متناقضاً· اختلط الإحساس بالغيظ مع الإحساس بالراحة· قد يبدو هذا مستغرباً ولكنه هو ما حصل· ومن الحق أن الإحساسين لم يكونا على الدرجة نفسها من الشدة في كل وقت، ويصح أن أقول إنهما كانا يتناوبانه الواحد تلو الآخر: كان يكفي أن تقابله نظرة ذات مغزى من فلاح عابر أو تحية ذات رنّة خاصة حتى يتأجج غيظه، ثم يكفي أن يعود لنفسه برهة فيرى أن ما كان يشبه الدمل قد انفثأ فيحس بالراحة· ولنقل إنه كان مضطرباً، وقد انعكس اضطرابه في خطواته السريعة التي كانت تقوده إلى داره· ووضعت الصدف أم حسان في طريقه، لاحظها وهي تمضي مقبلة نحوه، ثم لاحظها حين انحرفت عن وسط الطريق محاولة تجنّبه، فاستفزته هذه الحركة، فاعترض طريقها متعمداً، واستوقفها·
- انت يا أم حسان، إيش رايك؟
- عن إيش بتسأل يا عمّ؟
- عن اللي عمله زوجك·
- كفى الله الشر، إيش عمل؟
- عامله حالك مش عارفه، ركب راسه، وخالف راي القرية·
- أبو حسان حر ياعم· وهو ما راحش لوحده·
وقد ضربت إجابتها على الوتر الحساس في دخيلة نفسه·