المجموعة القصصية "غليون العقيد"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002، للكاتب البحريني محمد عبد الملك، نقرأ من أجوائها:
You are here
قراءة كتاب غليون العقيد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
غليون العقيد
الصفحة رقم: 1
الستارة المغلقة
لم أعرف أن هذا الفندق يطل على مقبرة المدينة·· كنت مرهقاً بعد رحلة طويلة شاقة، وليس لي إلاّ أن أنام· فتحت الستائر وانكشفت لي قبور متجاورة· قبور تتجمع وتلتقي، تخرج من مكانها وتتزحزح وترتجّ كالماء، وتطفو إلى الأعلى، جامحة تضرب بعضها البعض، والشواهد تنهار بلونها الرمادي والأبيض أما القبب الصغيرة فكانت ملفوفة بخرق خضراء· لم أخبر زوجتي بالأمر، كانت مشغولة بالاستحمام بعد السفر الطويل· أسمع رشرشات الماء على البلاط وأرى الأباجورات الموضوعة بعناية·
لم أغلق الستارة· ولفت انتباهي دخول جماعات من الرجال بجنازة من الباب الشرقي للمقبرة· كان الرجال يرتدون ملابس بيضاء ناصعة، وكان النساء من خلفهم يمشين كالغربان بعباءات سوداء· لا إرادياً فتحت النافذة·· جاءني هواء هذه المدينة الساخن الذي يبرد في الليل· كنت أريد أن أتبع صوت هذه الجنازة· سمعت الولولة أولاً·· جاءتني مع هبوب الريح من الشرق· كانت البوابة التي دخلوا منها منهكة لها حديد صدئ، النصف الآخر من البوابة كان ساقطاً على الأرض· وضعوا الجنازة على الأرض وارتفعت زغاريد· التقى النساء والرجال واختفت الجنازة· ماذا لو شاهدت زوجتي هذا المنظر؟! وكيف اخترنا هذا الفندق لشهر العسل؟ اتخذت قراري بالفرار من هذا الفندق في أقرب فرصة· لن أخبر زوجتي·· لكنها ستفتح الستارة بالحتم· نمت على المقعد الذي بجوار السرير وأنا أنتظر دوري لدخول الحمام· كانت الرحلة طويلة بالطائرة، طويلة استغرقت عشر ساعات· رحلات الترانزيت متعبة، لم أفق إلاّ في الليل· عندما فتحت عيني كانت زوجتي جالسة أمامي عند ميز التواليت تصلح زينتها· قالت لي من دون أن تلتفت:
ــ نمت 5 ساعات·· وتركتك ترتاح·· فالليلة ستسهر حتى الصباح··
لم أجبها، كنت لا أزال في حوزة النوم· نمت بثياب السفر· حلمت أحلاماً مفزعة· كانت رأسي ثقيلة· قلت لزوجتي:
ــ كيف نمت؟
ــ على المقعد·· وبعد ذلك حملتك بصعوبة إلى السرير··
ــ أنا نهضت بنفسي؟
ــ بمساعدتي··
أخفيت على زوجتي صور الحلم الذي رأيته·
كان الضوء في الغرفة خافتاً، ينبعث من الأباجورات في جوانب السرير· انتبهت إلى الستارة عن يميني، وحمدت اللّه أنها لا زالت مغلقة· كانت زوجتي نائمة طول الوقت أيضاً· قالت لي:
ــ قرأت برنامج السهرة في هذا الفندق وحجزت طاولة لشخصين··
هل أخبر زوجتي عن المقبرة؟ قلت لها:
ــ سننتقل عن هذا الفندق غداً·
قالت:
ــ أنا مرتاحة هنا لا داعي للتغيير··
ــ أظن أننا أخطأنا في ذلك··
ـــ هو فندق خمس نجوم؟
ــ نعم·· لكن موقعه غير مناسب··
ــ من أي جانب·· هو وسط المدينة؟