هذا الكتاب "لكي نفهم العراق" للكاتب الغربي وليام بولك، والذي ترجمه للعربية الكاتب د. عبد الحي زلوم، يحتوي على معلومات هامة من عالم تاريخ مارس السياسة وعرف بواطن أمورها على أعلى مستوياتها.
You are here
قراءة كتاب لكي نفهم العراق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
اما سيناريو الحرب والدبلوماسية المكوكية التي ستليها، فقد كان من مسؤولية كيسنجر· وفي حين كان الاعتقاد السائد في وزارة الخارجية بأن على إسرائيل الانسحاب إلى حدود 1967 طبقا لخطة روجرز، فإن كيسنجر كان يفكر بصورة مختلفة· وفي ذلك كتب كيسنجر يقول في كتابه المعنون (سنوات الجيشان)، كانت نقطة البدايه بالنسبة لي من الطيف العاطفي··· فمع أنني لست باليهودي الملتزم، إلا أنني لم أستطع أن أنسى حقيقة أن 13 من أفراد عائلتي ماتوا في معسكرات الاعتقال النازية· ولهذا لا أحتمل التفكير بتشجيع حصول محرقة أخرى من خلال سياسات حسنة النوايا يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة)، كما أن أجندة كيسنجر كانت تختلف عن الرئيس نيكسون، حيث يقول في كتابه (كان نيكسون يؤمن بالكثير من الأفكار العنصرية المتجذرة في أبناء الطبقة المتوسطة في كاليفورنيا التي ينتمي إليها، فقد كان يرى بأن اليهود يشكلون جماعة متنفذة مترابطة في المجتمع الأمريكي··· وبأن هيمنتهم على الإعلام تجعل منهم خصوماً خطيرين· وفوق ذلك، كان نيكسون يعتقد بأنه يجب إجبار إسرائيل على القبول بتسوية سلمية، وبأنه لا يسمح لها بتعريض علاقاتنا العربية للخطر)، ومع أن خطة كيسنجر كانت تختلف عن تفكير الرئيس وعن تصورات وزارة الخارجية، إلا أنه مع ذلك مضى في تنفيذها، فكان أن فتح قنوات تفاوضية سرية مع الرئيس المصري أنور السادات، دون علم وزارتي الخارجية والدفاع ولا السفارة الأمريكية في القاهرة· كان كيسنجر ينظر إلى كبار موظفي الخارجية باعتبارهم مؤيدين للعرب، وهي نظرة إسرائيل نفسها إليهم· كان كل من هو على خلاف بالرأي مع إسرائيل أو اللوبي اليهودي يُعد حليفا للعرب، وبالتالي يجب تجنبه·
كان نيكسون وقتها يعاني من فضيحة ووترغيت Watergate، التي فجرتها الصحافة، التي قال الرئيس الأمريكي بأنها تحت سيطرة اليهود· وقد تفاعلت القضية بفعل معلومات حصل عليها أحد الصحفيين المطلعين، واستخدم خلالها تكتيكات أقرب إلى عمل أجهزة الاستخبارات· وفي ظل الوضع الصعب للرئيس، كان كيسنجر في الواقع يتصرف كرئيس فعلي للولايات المتحدة· ومع أنه تجاوز وزارة الخارجية تماماً في محادثاته السرية، إلاّ أنه كان بحاجة إلى الهيمنة الكاملة على الوزارة لإنجاح خطته القادمة التي ستعقب حرب أكتوبر المخطط لها، وهي دبلوماسية الخطوة - خطوة· وفي سبيل ذلك، تولى كيسنجر حقيبة الخارجية قبل حرب أكتوبر بأسابيع قليلة ؛ ليصبح صاحب الكلمة الفصل في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، خاصة في ظل تعاظم الفضيحة التي كانت تحيط بالرئيس نيكسون، وبشكل جعلته أقرب إلى الرئيس العاجز·
تحققت النتيجة الرئيسية بالنسبة لمخططيها، وهي رفع أسعار النفط بنسبة 400%، وطبقاً لما تم الاتفاق عليه في اجتماع مجموعة بيلدبيرغ في مايو 1973، أي قبل اندلاع الحرب بخمسة أشهر· ومثل هذا الارتفاع الفلكي في سعر النفط أمر لم يكن بالإمكان السماح بحدوثه لولا رغبة الولايات المتحدة ومصلحتها في المقام الأول· وطبقاً لدراسة أعدها البروفسور جورج· سي· لودج George C. Lodge، وتشكل جزءاً من المنهج الذي يدرس لطلبة الماجستير في مساق شؤون النفط الدولي بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، فإن ضمان الإمدادات النفطية للغرب ليس وحده الذي يشكل أحد مطالب الأمن القومي فيما يتعلق بموضوع النفط، بل هناك سعر النفط أيضاً· وفي أواخر السبعينات، تم تشكيل قيادة خاصة للتدخل في دول الخليج المنتجة للنفط، كما جاءت عقيدة كارتر لعام 1980 لتنص على أن نفط الخليج يشكل أهمية استراتيجية بالنسبة للأمن القومي للولايات المتحدة، وبأن الولايات المتحدة ستستخدم كل الوسائل الضرورية، بما فيها القوة العسكرية، لضمان مصالحها والإمدادات النفطية من الدول المنتجة للنفط في الخليج العربي· كانت عقيدة كارتر هذه تكراراً لعقيدة لاندسداون Landsdowne الإنجليزية في العقد الأول من القرن العشرين، والتي نصت على أن الخليج (الفارسي) والدول المحيطة تشكل مصدر أهمية كبيرة للإمبراطورية البريطانية آنذاك، وعليه فلن يسمح لأحد ببسط نفوذه في المنطقة باستثناء بريطانيا العظمى·
الواقع أن خطط الحرب الأمريكية الخاصة بالتدخل العسكري القادم بدأت قبل 12 عاماً من حرب الخليج الأولى· ففي الصفحة رقم 158 من عدد مجلة فورتشين Fortune Magazine، الصادر بتاريخ 7 مايو 1979، تحدثت مقالة بعنوان (ماذا لو غزت العراق الكويت؟) عن ردة الفعل الأمريكية تجاه غزو عراقي محتمل للكويت· وأعرب معد المقالة عن الرأي الأمريكي القائل بأن العمال اليمنيين في السعودية، وحوالي 400 ألف فلسطيني في الكويت، يشكلون عناصر عدم استقرار في الخليج· وهكذا جاءت حرب الخليج الأولى لتخلص البلدين من عبء مئات الألوف من أبناء الجنسيتين الذين غادروا دول الخليج النفطية بعد الحرب·
بتاريخ 8 يونيو 1974، وقع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر اتفاقية خاصة بتشكيل لجنة أمريكية سعودية مشتركة للتعاون الاقتصادي، وبهدف رئيسي هو التعاون في المجال المالي· وفي هذا السياق، وقعت وزارة الخزانة الأمريكية اتفاقية مع سلطة النقد السعودية SAMA بهدف (إقامة علاقات جديدة مع الخزانة الأمريكية فيما يتعلق بعمليات الإقراض، وذلك من خلال بنك الاحتياط الفيدرالي - نيويورك)، وبموجب هذه الاتفاقية، فإن سلطة النقد السعودية ستشتري سندات خزانة أمريكية جديدة مع فترة استحقاق سنة على الأقل·
تأثرت الدول المتقدمة في أوروبا واليابان بالصدمة النفطية التي أعقبت حرب أكتوبر 1973، إلاّ أن اقتصادياتها المتطورة وحقيقة أنها كانت على علم مسبق بما سيحدث، حيث تلقت تحذيراً بذلك قبل ستة أشهر من الحرب، وتحديداً بعد اجتماع مجموعة بيلدبيرغ في مايو، الأمر الذي مكن هذه الدول من استيعاب الصدمة من خلال تعديل سياساتها الاقتصادية بسرعة· وحدها الدول النامية كانت الأشد تأثراً بما حصل، فقد أوقعتها أثار الصدمة النفطية في مصيدة الديون، التي لا تزال تعاني منها حتى الوقت الحاضر، بل إن أغنى الدول النفطية وجدت نفسها، وبعد شهر عسل قصير، تنضم إلى نادي الدول المدينة بما فيها السعودية بعد حرب الخليج الأولى· أما الرابحون الوحيدون من خطة كيسنجر تلك فكانوا : الوول ستريت وبنوك نيويورك ولندن والشركات النفطية العملاقة·


