كتاب "الحلم والتوق إلى الحرية"، إنها نصوص أدبية / نقدية حالمة توّاقة ، بل هي همسات قارئة تحاول إيقاظ نصوص إبداعية أخرى – راقدة تحت دِثارها اللغوي – من سباتها ، في ضوء قراءة تأويلية متعمقة ، تطمح إلى ترويض دلالات النصوص المقروءة الجامحة ، في براري الحياة الإ
You are here
قراءة كتاب الحلم والتوق إلى الحرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
مراجعات في القصة الليبية
تحولات النص
من نص الحرية / إلى حرية النص.
الحرية وعملية الإبداع
تشكل الحرية هماً أساسياً، وهاجساً محورياً، لكتاب القصة في ليبيا منذ بدايات روادها الأوائل، وحتى يومنا هذا، ذلك أن الكتابة في غيرها وعن غيرها، خاصةً، في مطلع الخمسينات وأوائل الستينات، كان يعد ترفاً في غير محله.
تتموضع الحرية المعنية، بصورها، وتشكلاتها المتعددة، من الحرية المرادفة للاستقلال ومحاربة الأجنبي، في أنماط توجهاته، والتي تفضي بالتالي إلى الحرية الاقتصادية ومن ثم إلى حرية التعبير والشكل الديمقراطي والذي يعني في نهاية المطاف "غاية الحرية".
تتجلى الحرية، في أشكال أخرى، في العديد من القصص، حين أخذت التنمية تعدل من أنماط العيش، في اليومي المعيش، من طرق التعليم والتعلم إلى التحول الإنتاجي والاستهلاكي، والذي ألغى بدوره وعدّل كثيراً من سلوكيات وطرائق الحياة، خلال الأربعين سنة الماضية.
كما أن الطفرة التي حدثت من خلال التغير في المداخيل، والانفتاح على أنماط وأساليب اجتماعية جديدة، استوقفت الكتاب باعتبارهم الطليعة التقدمية التي لا خيار أمامها، سوى الريادة وهي بمثابة البوصلة، والموجه للمجتمع.
وجد الكتّاب أنفسهم، أمام كم هائلٍ من المفاهيم البالية والمعتقدات والاعتقادات القديمة، جراء الانغلاق والتفوقع الذي لازم المجتمع الليبي طوال الحقب والعقود الماضية.
أخذت القصص التي تناولت الحرية بمفهومها العام، أشكالاً كثيرةً بدءاً من النضال ضد الأجنبي، بمحاربته، وعدم التعامل معه والتشبث بالقيم الحضارية، ممثلة في التمسك بالدين واللغة.
حين أخذ المحتل ينشر لغته ظناً منه أنه بذلك يستطيع احتلال العقول، وأن يبسط مفاهيمه، وأفكاره التي ما أنفك يحارب من أجل ترسيخها , لكن الشعب الذي دفع الكثير من أبنائه شهداء، ثمناً لتلك الحرية لم يستكن كما ظن المحتل. فراح يبدي من صنوف المقاومة في شكل عملياتٍ فدائيةٍ مسلحةٍ إلى الإضراب العام والمظاهرات والمصادمات، وحتى العصيان المدني، مستلهماً في ذلك نضال الثورات التي عمت المنطقة العربية، وأفريقيا وآسيا وموجة التحرر التي بلغت ذروتها عقب الحرب الكونية الثانية، وبانبثاق رياح التغيير التي صاحبت ذلك والمنادية بالتحرر والاستقلال وإزالة القواعد الأجنبية الجاثمة على التراب الليبي آنذاك، كل ذلك كان له بالغ الأثر، في نفوس الكتاب الذين دعوا أو حرضوا من خلال أشعارهم وكتاباتهم إلى مناهضة المستعمر والتحرر من هيمنته كما كانت الثورة على التخلف الاجتماعي المعيش هماً من هموم المبدعين وهاجساً لا محيد لهم عنه، فلقد كان العديد من السلوكيات الاجتماعية مثلاً عليا مقدسة ومحرماتٍ لا مجال للمساس بها، ترسّخت عبر الأجيال، دعا الكتاب إلى تحطيمها بالثورة عليها وبناء علاقاتٍ جديدةٍ على أنقاضها.
صاحب هذه الدعوات توجه إلى التعقل، والتفكير المنطقي بالعودة إلى الحرية الشخصية "الفردية" وحرية اتخاذ القرار، إلى المسئولية الفردية، واحترام الآخر في أن يكون مخالفاً في الرأي، والاتجاه نحو احترام الذات المكونة للرأي العام والمسئولية الجمعية الجماعية. تراوح نتاج الكتاب والمبدعين بين الشعر والمقالة، والقصة، والدراسة النقدية، فكانت الحرية القاسم المشترك بين كل هذه الإبداعات، بدأ ذلك مباشراً في المقالة ومزاوجاً بين الرمز والوضوح في النص الشعري والقصصي.
إن النص الداعي للحرية والمحرض عليها تشكل بوعي المبدعين، من أن الحرية ليست هاجساً فحسب، بل هي مسئولية قبل كل شئ تنبع من الذات، ثم هي في المقابل ضرورة ملحة للمبدع كي ينتقل إلى فضاء النص ليبدع ويتألق متمرحلاً مع التطور المصاحب والمتأتي من خلال الانقلاب المتسارع والحاصل في دنيا المعرفة مستفيداً من علوم العصر والتقنية، ومنجزات عالم الاتصال وبتشكيل الوعي المعرفي العام وبروز نظرياتٍ نقدية، وفلسفة تحليلية، صار محتماً على الكتاب استلهام هذه التوجهات المعرفية بالاستفادة منها ومواكبة روح العصر.
ومن خلال انغماس الكتاب ومعايشتهم اليومية لهذا التطور الحاصل في المرادف الاجتماعي ومتابعتهم الفاحصة الواعية لهذه التبدلات والتحولات الهادئة أحياناً والعنيفة في أحيانٍ أخرى. طرأ التحول الكبير في النص من المناداة بالحرية إلى التماهي فيها والتحول إلى إبداع النص المتحرر من الأشكال الجاهزة والقوالب التقليدية الجامدة.
كما أن انتشار العديد من المدارس والنظريات الأدبية الجديدة، والانفتاح على الآداب العالمية، وصدور العديد من المجلات الأدبية المتخصصة في الأقطار العربية الأثر الكبير في القفزة التي صاحبت النص الداعي للتحرر من المدارس والاتجاهات الأدبية السائدة والتي نادت بالرقي بالنص والانفتاح على مناخات وفضاءات أدبية جديدة.
في هذا الصدد نلحظ أن ثمة نقاط تلاقٍ، ونقاط افتراق بين الملامح العامة لنص الحرية وحرية النص. فالنص في الحالتين يشكل المنطلق والقاعدة، فهنا نقطة التلاقي أي أن النص هو القاسم المشترك بينهما.
أما محور القطيعة والاختلاف والتباين، فهي الحرية. فالحرية في الحالة الأولى أي النص المعتمد عليها كمادة وخميرة أولية له، وهي المبتغى، ومحور الارتكاز للعمل الإبداعي وغاية الخطاب للنص.
بالتمعن والتدقيق في النص المعتمد على الحرية كمادة أوليةٍ ومرجعية، تأصيلية نجد أن الإتكاء على الماضي والتاريخ والموروث الحكائي والقصصي كان له بالغ الأثر في البناء والشخوص، وكذا على مستوى الزمن الداخل في النص حيث أن الزمن الماضي، هو الزمن المطاوع والأقرب إلى الذات حيث يسهل الاغتراف منه والعودة إليه. وفي أحيانٍ كثيرةٍ يكتفي بالإشارة والتلميح أو التضمين وإضفاء ملامح من شخصيات نمطية وأسطورية ماضوية على العمل الإبداعي. وشكل الواقع الاجتماعي وتبدلاته، أثراً عميقاً في منحنى القصة الليبية في مطلع الخمسينات والستينات، وحملت العديد من المجموعات القصصية التي صورت تلك المرحلة سمات وهموم المجتمع الليبي، مبرزةً سلبياته ومعوقات نموه وتطوره.


