You are here

قراءة كتاب الحلم والتوق إلى الحرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحلم والتوق إلى الحرية

الحلم والتوق إلى الحرية

كتاب "الحلم والتوق إلى الحرية"، إنها نصوص أدبية / نقدية حالمة توّاقة ، بل هي همسات قارئة تحاول إيقاظ نصوص إبداعية أخرى – راقدة تحت دِثارها اللغوي – من سباتها ، في ضوء قراءة تأويلية متعمقة ، تطمح إلى ترويض دلالات النصوص المقروءة الجامحة ، في براري الحياة الإ

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 9
ما أن غادر عمران وصحبه باحة المسجد العتيق، حتى عاد كهول القرية وصغارها، ونساؤها كل إلى بيته، لا لينامون، لكن ليرسموا في مخيلتهم صوراً لتلك المعركة وعودة أبنائهم الفرسان بالنصر والفخار.
تجاوزت كوكبة الفرسان نخيل القرية وحدودها، وفي منتصف الطريق أومأ قائد العملية إلى فرقته بالتوقف قليلاً وجعل من نفسه محورا لدائرة من الجياد الفتية والفرسان المعممّي الوجوه.
قائلاً بصوت يملؤه الحزم والصرامة : " هذه قريتنا، ونحن شبابها، والديار بشبابها تعمر …."
بالرغم من سماكة وسلاسة الأسلوب، واتساقه، وعذوبة ألفاظه وجمال تراكيبه وتداعيه، إلا أن الكاتب لم يجانبه الصواب في اختيار الجملة التي تفي بأهمية الموقف وتدفقه، وجرأة عمران، وانشداد رفاقه إليه، وحراجة اللحظة، وعمق المشاعر التي كانت تنتاب صحبه.
أعيد، كان بإمكان القاص استبدال هذه العبارة الرخوة، الموجزة، بأخرى غيرها، أقوى، وأعمق.
مازلت أقول، ربما التسرع، ربما عدم المراجعة المتأنية، ربما العامل الزمني على كتابة هذا النص، وربما …
وأردف مؤكداً.. "ولم تختركم (أي القرية) إلا لثقتها الأكيدة في ذلك" وأنهمك القائد في شرح تفاصيل العملية الفدائية.
….." سنتمركز عند قمة الجبل، وبين صخوره..رفع يده مشيرا للجبل …" سأنحدر من الخلف موقدا النار في أقرب عربتين …" ويتداعى الحديث بين الرفاق في الكيفية التي يربكون بها العدو ويدمرون أكبر عدد من قواته وآلياته واثقين من أن النصر حليفهم، يغمرهم إيمان عميق بوحشية العدو، ومصداقية ما يحاربون من أجله.
حتى أن أحدهم ليصرخ بقوله : ….
أن أحدهم مطلقا لن يستطيع الفرار ومن لم يفر لن يسلم من أنياب وحش ليل جائع، أو نهاية عطشه، فغداً ستكون الشمس أكثر توهجاً.."
إذن، والحالة هذه، فالعدو أمامه فرسان يجللهم إيمان قطعي بالنصر والثبات فالأرض لهم، لم، ولن يغادروها والعدو هو الذي أتى إليهم، ولم يذهبوا إليه في دياره..
ثم إن من يفلت من رصاص المجاهدين، لن تتركه وحوش الصحراء النهمة ومن ينج من هذه وتلك لن ينجو من مصيبة أمرّ وأدهى وهي موته بالعطش في الصحراء الخاوية.
فما يود الكاتب قوله، على لسان شخوصه، هو أننا لكم بالمرصاد ولن نطلق رصاصة إلا في رؤوسكم وصدوركم. ومن يفلت أو ينجو، لن ترحمه وحوشنا وصحراؤنا وشمسنا المحرقة فسنحاربكم بكل ما نملك نحن والوحوش والصحراء ومن لم يقتله البشر، ستقتله الطبيعة القاسية.
دب سكون عميق، وصمت الليل، وحلكته، فما أن أكمل عمران خطبته الموجزة، إن صح التعبير حتى توزع الفرسان كل في الجهة التي حددت له حيث "شرعت الأقدام الشابة تتسلق في حذر وصمت. وخلف صخرة مرتفعة عند القمة"
انهمك كل منهم في مراقبة خيام العدو "العشر" وتحركات حراسه وعرباتهم المدسوسة قرب الخيام.
اطمأن عمران، إن كلا منهم قد أخذ مكانه على قمة الجبل حتى إنحدر حاثاً جواده يلكز أسفل بطنه، لتنفيذ أخطر مهمة في مجمل العملية الفدائية.
انطلق القائد كالسهم، تاركاً الجبل، وصحبه خلفه، ليلتف حول خيام العدو ليشعل النار في العربتين، كي يربك العدو، ويزرع الرعب بين أفراده.
أما عند القمة هناك فقد " صار الجبل لا يحتوي سوى أحجاره الصامتة وبينها تنزرع عيون محدقة، تخترق الليل وقلوب تنبض بحب قرية جنوبية طيبة هناك …"
القرية خلفهم، والعدو أمامهم، أهليهم هناك، والموت هنا ما لهم إذن إلا الصبر أو الشهادة، وهم لم يصلوا إلى هنا إلا والأمل ينزرع في قلوبهم، ويتغلغل في نفوسهم. يا لها من لحظات رائعة، وهم في أشد اللحظات صعوبة، وخطورة فحب القرية، الوطن يصاحبهم، ويندمج بدقات قلوبهم، ويشاركهم لحظة بلحظة.
مزاوجة عذبة تلك هي التي بين الموت والحياة، حب القرية والاستشهاد من أجلها.

Pages