You are here

قراءة كتاب الخواجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخواجا

الخواجا

"الخواجا" هذه مجموعة من القصص والحكايا والطّرائف اللطيفة التقطتها عينا الكاتبة الشّابة فدى جريس من أفواه الكبار سنّاً من أهل قريتها الجليليّة الجميلة، وأعادت نسيجها بمغزلها العصريّ وهي تحمل القارئ على جناحي غمامة فلسطينيّة إلى سنوات خالية فيها طيبة الناس وس

تقييمك:
3.333335
Average: 3.3 (3 votes)
المؤلف:
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 8

‘آه يمّه، فايتين لجوّه،’ قالت الكبرى. ثم تأففت لأختها. ‘علقنا علقة جامدة اليوم...’
بدأت النتائج تظهر وكريمة تنظر حولها في رضا وسرور. الأرض تلمع، والبيت في غاية الترتيب، حتى الستائر قامت بغسلها وتعليقها، وعمّت المنزل رائحة صابون معطر.
‘يعطيكن العافية حبيباتي... بعد الظهر رح آخذكن مشوار...’
ابتسمت الفتيات وغمزت إحداهن للأخرى: ‘مشي الحال. راق المزاج... ’ ثم التففن حول أمهن وطبعن على خدها القبل، وساد جو جميل من الألفة والإنجاز.
تنقلت كريمة بهدوء في أرجاء المنزل وهي تضع اللمسات الأخيرة. تعيد بعض الأشياء إلى أماكنها وتتفقد الزوايا. جميل... الآن ستبدأ بتحضير الطعام.
‘دلال، يمّه، سكّري الباب. خلّصنا...’ نادت على ابنتها.
لكن صوتاً عالياً اقتحم الهدوء، وارتفع صراخ الفتيات في الغرفة المجاورة. هرولت كريمة مذعورة إليهن فرأت كتلة من اللون تتنطط مسرعة في أرجاء الصالة وسط الصياح المتصاعد. ‘إمسكيه! إمسكيه!!’
ماذا...؟! إنه الديك!
لم يستوعب أحد ما جرى. قفز الديك وتعلق بستائر الصالة ثم انزلق، ممزقاً إحداها بمخالبه. صرخت كريمة واتجهت إليه، لكنه قفز إلى المقاعد وبدأ يتنطط مذعوراً من واحد إلى آخر وسط زوبعة من الريش المتطاير، ومخالبه الصغيرة تترك مساراً من الوحل حيثما تدوس.
كادت كريمة أن تفقد الوعي. ‘إمسكوه!’ صرخت متحشرجة. لكن الديك كان في حالة رعب واستمر في قفزه العشوائي في أرجاء الصالة حيث أوقع مزهرية ثمينة، تحطمت بصوت مدوّي وتناثر زجاجها أرضاً، مما زاد من هلعه، فاتجه نحو المطبخ والجميع يجرين وراءه لاهثات، وقفز إلى الحوض فأوقع الأطباق والكؤوس، إلى أن انقضّت كريمة عليه وأمسكته بعنف وهو ينتفض بين يديها.
نظرن إلى الديك في ذهول وأنفاس متقطعة، ثم إلى الدمار الذي لحق بالبيت. ريش متناثر وقطع زجاج في كل مكان، أما الصالة فمغطاة ببقع الوحل، والستارة تواجههن ونصفها السفلي يتدلى منها ممزقاً.
صمتت كريمة لبضع ثوان. ثم صاحت وهي لا زالت تطبق على الديك بقبضة من حديد: ‘منين إجا هذا؟!’
‘يمّه فات من عند الجيران... من بيت أبو عصام... لسّه بدّي أسكّر الباب، ما باعرف كيف فات!’
بعد ساعتين، عاد أبو عصام من مشواره في البلد، وبعد أن ألقى نظرة على الفناء خارج داره، ارتفع صوته وهو ينادي زوجته ويسألها عن الديك. كانت كريمة تعد السلطة في مطبخها وتسمعه دون اكتراث. مشى أبو عصام حول بيته ثم قطع الحارة ذهاباً وإياباً وهو يبحث عن الديك المختفي. قرع أبواب الجيران ليسألهم. لم يفده أحد. عاد ثانية إلى بيته ليبحث، ثم سمعت كريمة طرقاته على الباب.
‘تفضّل...’
بدا مرتبكاً، بعد مواجهة الصباح. ‘مرحبا جارتنا...’ قال فيما يشبه الاعتذار.
‘أهلاً! أهلاً جارنا! تفضّل!’
‘معلش، بدّي أسألك: شفتوا الديك تبعنا؟ مش لاقيه وفتشت كل الحارة عليه.’
نظرت إليه كريمة وابتسامة كبيرة تزين محياها.
‘آه... الديك. نعم، هو هون، جارنا.’
وفتحت باب الفرن، فجحظت عينا أبي عصام وهو يرى الطير المكتف على صينية، محاطاً بقطع البطاطس والجزر، وروائح البهارات الزكية تفوح منه.
أردفت كريمة قائلة بمرح، وهي تكمل عصر الليمون للسلطة: ‘أمانة يا جارنا، خليك اتغدّى معنا...؟’

Pages