كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
صحوة الشعوب العربية
عاشت الشعوب العربية والإسلامية ردحاً من الزمن تحت وطأة الاستبداد في أجواء تسلطية ظالمة تدعي امتلاك الحلول وتُمثّل الكمال، وظن الكثير أن هذه الشعوب العظيمة التي حملت رسالة الخير للعالم وأنصفت المظلومين لن تقوم لها قائمة، ولن تنهض من سباتها العميق وستبقى غافلة عما يجري حولها، غافلة عن دورها وكرامتها وعزّتها، وفقدت الثقة حتى في نفسها وفي قدرتها واستصغرتها وأشربت كأس الذل واستكانت لواقعها واستمرأت على التفريط في حقوقها، مُكبلة بقيود الغثائية وفقدان الأمل وراوضها الانبطاح والصمت وسُلبت إرادتها بين المطرقة والسندان وبين الحديد والنار، بل أصبحت الشعوب العربية مستثنية من الديمقراطية وخارجة عن دائرة صنع القرار بقابليتها كل مَن يحكمها تتقاذفها الوحوش كالقطعان السائبة، ولم يصدق أحد أن تنتفض هذه الشعوب التي غُيّبت عن المشهد السياسي منذ عشرات السنين؛ ومع نهاية عام 2010 تجاوزت الشعوب كابوس الخوف والشعارات ونزعت ثوب الاستكانة وفاجأت الانتفاضات الوطنية الشعبية العالم وأخذتهم على حين غرّة، وتحولت إلى ثورات عارمة وصاخبة وغير متوقعة وغير مسبوقة من حيث حدوثها وطبيعتها وقدرتها الفريدة وتعاظمها واستمرارها وانتشارها الناري في الهشيم الرافض لأي نوع حكم جبري.
فاجأت السلطة والمعارضة والنخب والمفكرين بصمودها وشجاعتها، وصلابة مطالبها واستثنائياتها الساخنة بهذا الزخم الجماهيري الثائر، وهذه التضحية بالغالي والنفيس، فاجأت السياسيين والمحللين من كل التلاوين، فاجأت القاصي والداني بكل المعايير والمقاييس من دوائر الاستخبارات الوطنية والعالمية وأثبتت فشلهم وآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فخرّ عليهم السقف من فوقهم، وإذا بشمس العرب «الثورات الربيعية» تميط الظلام وتطلق شرارتها من تونس الخضراء سيدي بوزيد «بشرارة الزيتونة» قرطاجة التي هي امتداد لحضارة الشام «الحضارة الفينيقية» لتصل إلى الأزهر أرض الكنانة أم الحضارات، وتعم وتيرة تلك الموجات من الاحتجاجات العارمة مُختلف أنحاء الوطن العربي فتشتعل جذوتها بتلك السرعة الفائقة، وتتحول من العفوية إلى التنظيم، ومن الاحتجاج إلى الانتفاضة ثم إلى الثورة، ومن المطالبة بالإصلاحات إلى التغيير، ومن المطالبة بإسقاط الرئيس إلى إسقاط النظام ومحاكمته..لقد قالت الشعوب كلمة واحدة جامعة شاملة «نريد إسقاط النظام» ورسّخت في مطالبها ثلاثة محاور أساسية: - الحرية- العزّة - العدالة الاجتماعية-.
انطلقت من تونس «ثورة الياسمين» إلى مصر «ثورة الكرامة» واليمن «ثورة الحرية» وليبيا «ثورة المختار» وسوريا «ثورة الأحرار» قالتها الشعوب ولن تعود؛ لأن الشعوب نسخة من بعضها من قيم وأخلاق وطهارة وعفة وشجاعة وإحساس، متطابقة في فكرها ومسار سلوكها.
نعم إن الأمة الإسلامية تضعف لكنها لا تموت، تضعف لكنها لا تذوب ولا تلين وإذا نهضت الأمة فلا محيص لهم، لأن إرادة الشعوب حيّة ولا تقهر. قال أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابدّ أن يستجـيب القـدر
ولابـدّ للـيل أن يـنجـلــي ولابـدّ لـلـقيــد أن ينكسر
إن هذه الثورات[4] الوطنية العربية المطالبة بالحرية والعزّة والكرامة واسترداد المجد العربي والإسلامي إلى المسرح التاريخي، وإعادة السيادة الى الشعوب والشعور بالذات لإزاحة أنظمة طاغية أغلقت باب الحرية، وكممت الأفواه وأخرست الألسن بقبضتها الأمنية الإجرامية، وأبعدت الكفاءات، وشتّتت الأمة الإسلامية في ظل استقرار مغشوش وإرادة مزورة، ونهبت الثروات فاستشرى الفساد بشكل مُمنهج في مناحي الحياة كلها في غياب العدالة الاجتماعية وسوء الأحوال المَعيشية وازدياد معدّلات البطالة، إلى الإساءة لحقوق الإنسان والازدراء به، فأصبح عدد السجون يضارع عدد المدارس.
ولكن حتى لو كانت هذه الاحتجاجات عفوية في البداية ولم تكن وفق خريطة طريق محددة المعالم من الناحية التخطيطية والبشرية ولم تكن واضحة الأهداف والوسائل، فقد بلورت في مراحلها أثناء الاحتجاجات بمساهمات كل الفعاليات والمفكرين والهياكل الحزبية والنقابية في ديناميكية التأطير للحراك الشعبي بمتابعة جادة لتصبح ثورات حقيقية «ثورات بيضاء» وبإرادة قوية متماسكة نحو تشكيل مناخ ديمقراطي، وليست المسألة اجتماعية صرفة حتى في الدول الفقيرة كما تريدها الأنظمة السلطوية بالحلول الترقيعية وتجزئة الحرية وفصل الجانب السياسي والثقافي عن الأزمة. وبدل أن تعطي الحلول الجذرية الشاملة تقدم الوعود الكاذبة بالإصلاحات الاجتماعية وكأن الشعوب جائعة، وتقدم الحلول الأمنية وحوار أزيز الرصاص والاتهامات..ولّت هذه الأنظمة الباغية الفاشية وجوهها شطر واشنطن والغرب وولت ظهورها لشعوبها، وشجعت الفكر المنحرف والتطرّف وقابلية الاستعمار بتربية الناشئة على الخنوع والذل بمناهجها التربوية وفق شروط الغرب، مما أدى إلى عدم الاستقرار في المناهج التربوية، والأخلاقية التي لا تتناسب مع قيمنا وثوابت الأمة، وتولد عن ذلك جيل ضعيف النفس يدين الحراك السياسي ويدعو إلى الانحلال والانحطاط الأخلاقي والقبول بالأمر الواقع الفاسد والرضا بالابتزاز الداخلي البيروقراطي الإداري واللامبالاة تجاه العملاء المدعمين من الغرب بالتبعية المطلقة لهم بإبرام الصفقات المشبوهة، وتبييض الأموال بالاختلاس والرشى، وخدمت تلك الأنظمة المغرورة مشروع الاحتلال بامتياز من أجل المحافظة على السلطة، وهذا الأخير عامل أساسي آخر في تفجير الأحداث، فالأمة الإسلامية تملك مقومات القوة والنهضة مما يجعلها قادرة على الخروج من التخلف، لأن التاريخ يصنع من عمل الشعوب إذا وجدت القيادة الراشدة «موسى هذا العصر لإغراق الفراعين» وتهميش الفاسدين المفسدين في الأرض..