كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حُكم سلاطين الاستبداد في الدول العربية
استفادت الأنظمة السلطوية من تباين تيارين متناقضين أثناء الحرب الباردة. [الشرق «الشيوعي» والغرب «الرأسمالي» وكان العالم العربي بين ثنائية لا خيار له سواها بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو][5].
واستغلت الأنظمة السلطوية هذا الصراع بين الإسلاميين والشيوعيين لترسيخ المنهج الاشتراكي أو الرأسمالي، ونشر الفكر التغريبي وضاعت الطاقات في صراعات داخلية بين تلك الثنائيات العدائية المصطنعة.
وبسقوط المعسكر الشيوعي بقي المارد من الإسلاميين الذين طالما ظلوا يحاولون إصلاح ما أفسدته تلك المناهج التغريبية في صحوة عارمة وصمود لا نظير له في مواجهة تلك الحملات العدائية للأمة، فوجهت إليهم كل التُهم من رجعية وتخلف وظلامية وأسيء إليهم بأشد العذاب الجسدي والنفسي وجردوهم من كل مقومات الترقية والتخلص من البعض منهم بالسجن أو الاغتيال بحجة مسوغات التطرف ومحاربة الإرهاب حتى لو كان التطرف من بقايا فلول العلمانيين أو من تنظيماتهم الشكلية، ووصل الحدّ إلى أن أصبح المسلم «رجعي» أو «إرهابي» والمقاومة «إرهاب»[6] وأبيحت دماؤهم للشرق والغرب على السواء، وجثم هؤلاء اللصوص المتغطرسون على صدور الشعوب باسم الوطنية والشرعية التاريخية الثورية، وللأسف داسوا على مبادئ الثورات وتناسوا كل بيانات التحرر ونكصوا على عقيبيها، وكانوا عبئاً على شعوبهم واستخدموا أجهزة الدولة لمراقبة حركاتهم والتجسس عليهم.
واستخدم هؤلاء أموال الأمة لشراء الذمم والإعلام للشائعات والتخوين والتشويه لتكوين مخزون بشري من الذين لهم قابلية الذل لكل استحقاقات أو طوارئ، وباستخدام علماء البلاط بإصدار فتاوى لمصلحتهم للتستر بالدين، وتعاطوا مع الجانب الأمني والهياكل التنظيمية من الحزب الحاكم والجمعيات والنقابات لإخراجهم في مسيرات موازية للمعارضة الحقيقية، وانقلبوا على رصيد الشعوب التربوي الأخلاقي التحريري الذي أقيمت عليه الثورات الشعبية لطرد المحتل، وقضوا على المؤسسات التربوية من المعاهد الإسلامية والقيم الثابتة فضاعت الكرامة والنخوة، وأحكم الحصار على كل ما له صلة بتراثنا الصافي باسم التطور والحرية ومكافحة الفقر والجهل والمرض، واللعب على مفهوم تحرير المرأة[7] وهي تُمْنن على شعوبها بالأمن والإطعام، وهي كل شيء وتُمثّل الكمال المطلق والدائم بحكمها المزعوم.
أما الشعوب فهي تابعة أو نائمة أو مُغيّبة، وظلت الأنظمة ترفع تلك الشعارات منذ الاستقلال حسب التبعية في حالة من التذبذب بين هؤلاء وأولئك.
[«الاشتراكية خيار لا رجعة فيه والرأسمالية خيار المستقبل» أما الإسلام يمكن أن يراجع فهو غير قادر على إحداث التطور، لذلك نحترمه ونمجّده في مكانه ولا يحق له التحرك لتغطية الساحة البشرية، فهو منهج للتبرك لا علاقة له بشؤون الحياة].
هذه الأنظمة الكلاسيكية التي نصّبها الاستدمار بعد التحرر وخلفت بعضها الحكم بانقلابات عسكرية أو بعملية التوريث أو بتزوير الانتخابات «99.99 في المائة»، وحكمت شعوبها بالحديد والنار في ظل حكم الطوارئ، فكان الغرب يتعلل بوجود الأنظمة الديكتاتورية في البلدان العربية على أساس أن العرب لا يريدون الديمقراطية أو لعدم وجود بديل آخر لضعف المعارضة التي أُنهكت تحت الاستبداد أو بتماهيها مع مصالحه. قال خليفة بن قارة: «..أغلق النظام العربي نفسه على مجموعة من المستفيدين الذين لا يرى منهم ولا يسمع غير ما يجب أن يراه ويسمعه، وخرّب أرضية المعارضة التي هيأتها الشعوب وتدحرج المجتمع العربي نحو الأسفل، إلى أن سجّل مستويات غير مسبوقة في الظلم الاجتماعي والتخلف الاقتصادي والقهر الثقافي في وقت حصّن فيه نفسه بشرذمة قابلة كل شيء وأقامت جداراً سميكاً بينه وبين الشعب.
وبالتالي لا يمكن أن يسمع من ورائه آلام الأمة ولا تأوهاتها المتصاعدة كما لم يحس قط أن السيول الجارفة تحاصره من كل جانب»[8].
وكان اهتمام الغرب بتلك الزمرة الطاغية الموغلة في الفساد على حساب الشعوب؛ وحُنطت هذه الأنظمة على كراسي الحكم لخدمة مصالح الغرب، وقد استفاد النظام المصري بفزاعة التخويف من التنظيم الإسلامي كحركة الجهاد وخصوصاً حركة الإخوان المسلمين التي أصابته بمرض الهستيريا على مدى حكمه، وصادر أموالهم وحاكمهم في محاكم عسكرية، بل قمع كل من سوّلت له نفسه الخروج عن بيت الطاعة من اليساريين الشرفاء، وسلّم الكثير من المقاومين للموساد الإسرائيلي، وخان القضية الفلسطينية بالضغط على الفلسطينيين وجرّم المقاومة في فلسطين، وساهم في غزو غزة، وضرب عليها حصاراً مقيتاً ببناء الجدار الفولاذي كسد منيع، وحرّض على ضرب المقاومة في لبنان، وشلّ دور الجامعة العربية بتجميد تحركاتها وأصبح أداة لتفرقة العرب والمسلمين مستعملاً سياسة المحاور وشكل تياراً معتدلاً لخدمة إسرائيل وقطع العلاقات مع إيران وتمادى في التحريض عليها، ووافق على غزو الصومال وإدخاله في حرب أهلية.