كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إن حراك الشعوب كان تحصيل حاصل لانتكاسات سياسات فاشلة خرقاء، ونتاجاً طبيعياً ضد إفلاس أنظمة سلطوية ظالمة تحجر على العقل والفكر وجميع شرايين التعبير، وتحتكر كل المصادر باستغلال النفوذ السلطوي لامتصاص خيرات الشعوب والاستحواذ عليها بغير حق والتحكم في قوت الناس وأرزاقهم بتوزيع غير عادل، فاتسعت الهوة بين طبقات المجتمع، وتحول الجميع لخدمة الاقتصاد الريعي، والعبث بمقومات الأمة والدوس على منابع ثقافتها وهويتها فذاقت الشعوب الويلات من تراكم المظالم وتعاطي القهر من الأنظمة الغاشمة في انتهاك سلسلة من حقوق المواطنة التي تكفلها دساتيرهم المزعومة.
وتلك هي القراءة المتفحصة لأسباب الثورات غير المباشرة، لذلك من الخطأ حصرها أو اجتزاؤها أو اختزالها في الضغط الاجتماعي المباشر «الجانب المادي» واعتبارها ثورة بطون أو ثورة جياع من دون النظر إلى جوهر المطالب المعنوية من فقدان الحرية والعزة والعدالة والتحرر من التبعية والهيمنة الأجنبية، ونشأت نهضة الشعوب على خلفيّة حُكم متحجر ومنحط فقرّرت التغيير برغبة فطرية عفوية تلقائية لنصرة المستضعفين على بغي الظالمين، وثارت الشعوب بدافع إيماني وصحوة فكر ووعي سياسي بعودة الروح والإحساس بالذات وإحياء الضمير العربي كروح يسري في جسم الأمة بيقظة غير مسبوقة وبعناصر وطنية محضة، لأن الثورة ولدت من رحم الشعوب ولم تأت من فراغ. [يرى البعض من أصحاب نظرية المؤامرة من السياسيين والمفكرين والمثقفين ورجال الصحافة بأن الثورات العربية هي جزء من مؤامرة غربية تتجه نحو إعادة تشكيل سياسة المنطقة العربية، وتتقاطع هذه الفكرة في تفسير الأحداث ومن وراء نشوبها مع أصحاب المنطق الشمولي من الزعماء المستبدين ليضفوا الشرعية بانتحال شتى المعاذير لقتل المنتفضين والهروب من الأمر الواقع وتأجيل الانتفاضات وتخويف المترددين من عدم الالتحاق بالركب الثوري أو فهم مجريات الأحداث، وتحميل الضحية بدل الجلاد، وتتقاطع أيضاً تلك النظرية مع الطبقة الغنية وأصحاب المشاريع خوفاً على مصالحهم الخاصة وليس من أجل مصلحة الوطن، بل تتقاطع فكر المؤامرة والطعن في شرعية الثورات مع بعض القوى الكبرى كروسيا التي تُسخّر إعلامها لهذا الغرض، وخصوصاً في أحداث سوريا، وهناك البعض الآخر ينفي صفة التآمر بمباغتة الثورات التي أربكت الغرب والشرق مما يُثبت عفويتها، لأن فتيل الثورة والسبب المباشر «محمد البوعزيزي» ولو كانت له علاقة بالخارج لمّا وصل إلى هذا الحدّ من الحقارة، ومما يثبت عفوية الثورات أيضاً بأنها شعبية لم تكن بتخطيط مسبق ولا تحت أي غطاء بقيادات سياسية معروفة بعضويتها مع الخارج، ولمّا طاولت الثورات الحلفاء من الزعماء الدائمين المخلصين من دول محور الاعتدال ممّن يؤدون دوراً وظيفياً لمصلحة الامبريالية وما تخلت عنهم بتلك السهولة مما يدل على خطأ فعل المؤامرة وصفاء عفوية الثورات. ومن حق أي طرف أن يقول هذا أو ذاك، لكن من غير المعقول أن نربط فعل المؤامرة بالقمع أو التدخل الخارجي، أو نربط الأمن والغذاء بحتمية الاستبداد، أو نربط الفوضى والحرب الأهلية بعزل الحكام الفاسدين، أو الصمت وتبرير العنف والجرائم وقتل الأبرياء بحجة المؤامرة].
قال سلمان العودة: «ما استُخدمت نظرية المؤامرة تاريخياً إلا لتقديس الذات وتشرير الآخرين، واللعب على الناس باستعطافهم على الضحية المزعومة».
وأَمْتَنَّ الله على الشعوب العربية بمعجزات النصر، لأن ضريبة الحرية ليست طريقاً سهلاً بلا تكاليف. قال تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)[سورة القصص: الآية 5].
صحت الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وأحست بساعة التغيير قد دقت وبدأ الوعي يدب في نفوسها ونزعت رداء الخوف المركب، ولم يعد بالإمكان التغاضي عما يحدث لإنهاء الاستبداد وحواجزه على مساحة الحياة الكريمة، وبدأت تنهار أركان أنظمة خلّدت في السلطة وتكلست وربضت على رقاب الأمة بعناوين فارغة، فتارة باسم الشرعية التاريخية أو الوطنية، وتارة باسم الجمهورية أو الملكية الوراثية، ومرّة باسم الممانعة أو المؤامرة.. إن المعوقات والمطبّات في طريق الثورات لن تنتهي وليس بالأمر الهيّن البسيط أن ينجز كل شيء بتلك الطفرة الارتجالية وأن تنتقل الثورة من التسيّب إلى الانتماء وهيكلة المؤسسات والانتقال من مرحلة الاضطراب إلى الاستقرار برؤية مستقبلية واضحة وشاملة، والخروج من إدارة الأزمات واحتوائها إلى حل الأزمة وإيجاد البدائل الأفضل نحو عقد اجتماعي متماسك ونحو تنمية مستديمة إلا بعد التخلص من الثورة المضادة، وانتشال آثار الأنظمة البائدة من زبانيتهم وحاشيتهم وعصابتهم الظلامية التي ملكت المال والإعلام وعاشوا في أوهام بمناورتهم السياسية للتسلل لواذاً في مفاصل السلطة ومراكز القرار والنفوذ ردحاً من الزمن، وبعد تغيير تلك العقليات وتغيير نمط التفكير في ظل حكم الأنظمة السلطوية لتهيئة مناخ التعايش في ظل العقد الجديد الذي يتسم بالحرية التي لا تمس بأمن المواطن والوطن، ولا بقيم المجتمع وأصالته في إطار الدولة المدنية «الأهلية»، دولة الحق والقانون لا دولة عسكرية استخباراتية، ولا دولة أمنية بوليسية، ولا دولة ثيوقراطية دينية ولا دولة حزب أو طائفة.